تمهيد:

     يعتبر التغير الاجتماعي أحد أهم المواضيع إثارة في ميدان العلوم الاجتماعية والإنسانية بصفه عامة، فمنذ ظهر الفكر الفلسفي والفكر السوسيولوجي كان الاهتمام بفهم وتحليل وتفسير مختلف القضايا المرتبطة بالتغير الاجتماعي، وان لم يكن بالمفهوم الحديث  المتداول  به الآن يشغل معظم المفكرين آن ذاك.

      وان كان الفكر العربي يزخر بمفكرين وفلاسفته طرحوا العديد من القضايا ومسائل اجتماعية، ونفسية، ودينة، واقتصادية، وسلوكية ...الخ المتعلقة بالتغير الاجتماعي،  أمثال بن خلدون الذي نصت مقدمته على أهم عوامل ومخلفات وآليات التغير الاجتماعي في الوطن العربي؛ وكذا عبد الرحمن الكواكبي ... وأمثالهم من المفكرين العرب والمسلمين أثناء العصور الوسطى، وأيام الدولة العثمانية، وكذا بداية الحقبة الاستعمارية الغربية للبلدان العربية والاسلامية، وما ألحقته تلك الأحداث التاريخية من تغيرات اجتماعية وثقافية بشكل عام؛ لكن يبقى هذا المصطلح كمفهوم سوسيولوجي مقترن بالنظريات الغربية بشكل خاص؛ نظرا  للإسهامات والتراكمات العلمية التي أفرزها مفكرو الغرب حول التغير الاجتماعي ونظرياته وعملياته وآلياته....إلخ.

      وقد ازداد الاهتمام بالدراسات المتعلقة بالتغير الاجتماعي والاهتمام به كعملية أو ظاهرة إنسانية اجتماعية منذ التحولات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، التي عرفتها أوروبا خاصة بعد الثورة الصناعية.

     فمنذ ذلك الحين اعتبر التغير الاجتماعي مفهوم سوسيولوجي مهم ومثير، تداولته العديد من النظريات بمداخل فكرية وتحليلية وتفسيرية مختلفة؛ لكن المسألة المتفق عليها حول التغير الاجتماعي أنه عملية اجتماعية تمر بها مختلف المجتمعات مهما كانت درجة تقدمها أو تخلفها.

    ولهذا يعتبر التغير الاجتماعي مادة مهمة جدا بالنسبة لتخصص العلوم الاجتماعية خاصة في ظل التحولات والتغيرات السريعة التي يشهدها العالم اليوم في مختلف المجالات، وما نتج عنها من تحولات وتغيرات اجتماعية وثقافية وسياسية... لمختلف بلدان ومجتمعات العالم.

    ولا يسعنا إلا أن نعتبر هذه المادة من المواد التي يحاول كل سوسيولوجي أن يبحث في مضامينها، يحللها ويحاول تفسيرها انطلاقا من المخلفات النظرية العربية والغربية وكذا النتاجات التي يفرزها الواقع العالمي بكل ما يتضمنه من تفاعلات وعمليات وثقافات ...الخ، لأنها تتعلق بمعظم الممارسات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والقانونية والدينية التي ينشط فيها الفاعل الاجتماعي باستمرار.

     وتتضمن هذه المطبوعة البيداغوجية لطلبة السنة الثانية علم الاجتماع مادة التغير الاجتماعي للسداسيين الأول والثاني  مجموعة المحاور التالية: 

المحور الأول: مفهوم التغير الاجتماعي والمفاهيم المشابهة للتغير الاجتماعي  (التطور الاجتماعي، التحول الاجتماعي، التنمية، النمو، النمو الاجتماعي،  التحديث، التغير الثقافي، التقدم، التحديث) حتى يتمكن الطالب من معرفة استخدام المصطلحات تلك في وضعها المناسب والأهم من ذلك تمكين الطالب من معرفة الفروق المفهومية لهذه المصطلحات.

كما يضمن هذا المحور أيضا أهم خصائص وأنواع التغير الاجتماعي حسب رأي المختصين والدارسين في هذا المجال.

المحور الثاني: وجاء فيه عوامل التغير الاجتماعي وقد خصصنا في هذا المحور أهم العوامل التي يتفق عليها فكر السوسيولوجي كمسببات للتغير الاجتماعي وهي: ( العوامل الخاصة البيئة الفيزيقية،  العامل السكاني، العوامل الاقتصادية، التكنولوحيا والتقدم التقني، الاتصال الثقافي، العامل السياسي وظهور الشخصيات القيادية القوية، العامل الايديولوجي، العامل الديني )

المحور الثالث: وخصص للاتجاهات النظرية المفسرة للتغير الاجتماعي وقسمنها كالتلي: (النظرية الحتمية، النظرية التطورية بما فيها نظرية التطور الكلاسيكية، والنظرية التطورية المحدثة، النظريات الدائرية، النظرية الوظيفية والتغير الاجتماعي "نظرية بارسونز للتغير الاجتماعي"، نظرية الصراع بما فيها  نظرية الصراع الكلاسيكية (كارل ماركس)، ونظرية التبعية، ثم نظرية التفاعل الثقافي)

المحور الرابع: وتناونا فيه معوقات التغير الاجتماعي وتضمنت: العوائق الاجتماعية، العوائق الاقتصادية، العوائق الايكولوجية، العوائق السياسية، العوائق الثقافية، العوائق السيكولوجية.

    وعليه تعتبر محاور السداسي الأول محاور نظرية مفاهيمية ونظرية تعريفية، تعطي للطالب أهم المعالم الفكرية التي تقوده لمعرفة التحليل النظري للتغير الاجتماعي بشكله العام.

     أما محاور السداسي الثاني فجاءت لتكمل الفكر النظري الذي جاء في السداسي الأول وربطه بالمجال الاجتماعي الواقعي أو الميداني وان كان في شكل نظري،  لكن يمكن للطالب في محاور السداسي الثاني أن يطبق الفكر السوسيولوجي على ما يحدث في واقعه الاجتماعي العام، خاصة أن محاور التالية جاءت لتنمي النضج الاجتماعي للطالب الجامعي، ويحاول من خلالها تحليل الواقع المعاش بشكل جدي.

وتضمنت المحاور التالية:

المحور الأول: الفاعلون الاجتماعيون في التغير الاجتماعي  وجاء فيها:(النخب مفهومها نظرياتها، أنواعها؛ والحركات الاجتماعية والجماعات الضاغطة في التغير الاجتماعي وجاء فيها المفاهيم والنظريات وآليات...التي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بالتغير الاجتماعي)

المحور الثاني:  تناولنا فيه التغير الاجتماعي في الفكر الاسلامي المعاصر وخصصنا في هذا المحور في الحديث عن حركة الإصلاح كأسلوب للتغيير الاجتماعي في العصر الحديث ؛ والتغير الاجتماعي الاصلاح الاجتماعي في فكر مالك بن نبي)

أما المحور الثالث خصص نموذج عن الثورات العربية، ولم نتطرق فيه للثورات العربية المناهضة للاستعمار الغربي، بل تناولنا الثورات العربية الاجتماعية التي كانت في مطلع الألفية الثالثة وخصصنا بالذكر ثورة تونس ومصر.

المحور الرابع:  وتضمن فيه العولمة والتغير الاجتماعي وجاء فيه مفهوم للعولمة، وما أنتجته من تغيرات في مختلف المجالات والتي بدورها أحدثت تغيرات اجتماعية وثقافية واضحة بشكل كبير لمعظم دول العالم.