الدكتور التركي باهي      

قسم الحقوق

كلية الحقوق والعلوم السياسية

  جامعة تبسة –الجزائر

مطبوعة جامعية بعنوان

تاريخ المؤسسات القانونية

لطلبة السنة أولى حقوق ل.م.د.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قال الله تعالى

 

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا                            سورة البقرة، الآية 143

 

 

 

 

 

 

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

مقدمة

      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.

      أما بعد، فإن نشر العلم من أعظم القربات إلى الله تعالى وبخاصة إذا كان موجها بنور الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو بذلك لا يكون إلا خالصا لله تعالى، ويمكننا القول بأن سائر العلوم والمعارف يجب صياغتها وفق المنظور الذي يتوافق مع الكتاب والسنة، حتى نستطيع من خلالها تقديم ما ينفع الطلبة والباحثين وفق الدراسة المنهجية التي تعتمد على القواعد العلمية.

     وتتجلى أهمية هذه الدراسة من خلال العناصر التالية:

-       الاعتماد على المنهج المقارن لأنه الأنسب لمثل هذه الدراسات.

-       التركيز على إبراز الكثير من الجوانب الدينية والقانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للأمم السابقة.

-       العمل على تصحيح المفاهيم وتثبيت النظرة الصحيحة لمراحل نشأة وتطور المدونات القانونية.

   وتتناول هذه الدراسة، في الفصل الأول مجموعة من النظم القانونية القديمة، وفي الفصل الثاني تناولت النظم الإسلامية، وهي من المواد الدراسية الهامة، نظرا لأن كل طالب علم أو باحث، لا يمكن له أن يلمّ بمنهج الإسلام، ويتعرف على أحكامه ومقاصده، ما لم يلمّ بدراسة النظم الإسلامية.

   ولسعة وكثرة النظم الإسلامية، اخترنا منها بعض النظم، وقمنا بتفصيل ما يتعلق بها من أحكام، بما يعطي صورة عن أنظمة الإسلام، من خلال مقاصد الشريعة، التي جاءت خاتمة لكل الرسالات، وعامة لكل البشر، وصالحة لكل زمان ومكان، وخالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عيلها.

وفي الأخير نرجو من الله تعالى أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم وأن يتقبله عنده بفضله ومنّته، إنه أكرم مسئول، وأفضل مأمول.

                                         

 

                                                          الدكتور التركي باهي

 

 

 

خطة البحث

الفصل الأول

النظم القانونية

المبحث الأول

نظرة تاريخية حول نشأة النظم القانونية وأهميتها

المبحث الثاني

النظم القانونية في بلاد الرافدين

المبحث الثالث

النظم القانونية في مصر الفرعونية

المبحث الرابع

النظم القانونية عند اليونان

المبحث الخامس

النظم القانونية عند الرومان

الفصل الثاني

النظم الإسلامية

المبحث الأول

تعريف ونشأة وأنواع النظم الإسلامية

المبحث الثاني

خصائص النظم الإسلامية

المبحث الثالث

نماذج من النظم اٌسلامية

 

 

 

الفصل الأول النظم القانونية

المبحث الأول

نظرة تاريخية حول نشأة النظم القانونية وأهميتها

التعريف بالنظم القانونية

    النظم القانونية هي القواعد الملزمة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع.

نشأة النظم القانونية

   إن الإنسان الذي وجد على الأرض يعود أصله إلى آدم عليه السلام، الذي خلقه الله عز وجل، وأسجد له الملائكة، لإظهار تكريمه وتفضيله بالعلم الذي تفوق به على سائر المخلوقات، لذلك فقد هداه الله تعالى إلى تسخير ما في الكون لتلبية حاجياته الضرورية، وبيّن له القواعد التي يجب عليه أن يسير عليها، سواء في علاقته مع ربه، أو مع بني جنسه، وبالتالي فإن هذه القواعد الملزمة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع هي التي تسمى بالقانون، ومن هنا نجد أن القانون قد ظهر منذ وجود الإنسان.

   وما دام القانون قد ظهر بظهور الإنسان، فلا شك أن الصورة التي نشأ عليها في الزمن الأول قد سايرت تطوره عبر المراحل التي ذكرها العلماء في العهود الزمنية المشهورة منها:

 

أ‌-                مرحلة الانتقام الفردي

       يذكر بعض الفقهاء أن الإنسان في القديم كان يعتمد على القوة في إحراز طعامه والسيطرة على الآخرين، وأن هذه المدة كانت منذ خمسين ألف سنة إلى الألف الخامسة قبل الميلاد.

ب‌-          مرحلة التقاليد الدينية

        الدين في اللغة يطلق على عدة معان

      الأول: الملك والسلطان، كما في قوله تعالى: (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِك([1]، أي في ملكه وسلطانه.

     الثاني: الطريقة، كما في قوله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)[2].

     الثالث: الحكم، كما في قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)[3].

     الرابع: القانون الذي ارتضاه الله لعباده، كما في قوله تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا)[4].

     الخامس: الذل والخضوع، يقال: دان لفلان أي خضع له وذل.

     السادس: الجزاء، كما في قوله تعالى: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[5]، أي يوم الجزاء.

    واصطلاحاً هو: ما شرعه الله لعباده من أحكام.

      وعرفه آخرون بأنه مجموعة المعتقدات التي يؤمن بها أصحابها سواء كانت هذه المعتقدات من الوحي الذي جاء به الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، أو ما توارثه الناس من الطقوس وتقديس المعبودات الأخرى، سواء تلك التي تنسب إلى القوى الطبيعية أو الأصنام أو الملوك وغيرها.

ج -مرحلة التقاليد العرفية

    بتطور الإنسان وظهور التقدم في النواحي الاقتصادية والسياسية والفكرية، بدأ ينشأ العرف ويعتمد عليه أفراد المجتمع[6].

د -مرحلة التدوين: عندما اخترع الإنسان الكتابة بدأت المجتمعات في تدوين قوانينها، وتعميمها بين الأفراد، ليتسنى لهم إلزامهم بها ومعاقبة المخالفين[7].

 

 

 

أسباب التدوين[8]:

يرجع انتشار ظاهرة تدوين القانون في تاريخ البشرية لعدة أسباب أهمها:

1-تعدد القضاة:

    بعد أن بدأت الدولة في الاتساع بسبب كثرة السكان أصبح من الضروري تعيين أعداد من القضاة للفصل في المنازعات للمجموعات البشرية المتواجدة في المناطق، وذلك لاستحالة انفراد شخص واحد بمهمة القضاء، وهذا من أسباب تدوين القانون لتوحيده بين القضاة.

  2- حفظ القواعد القانونية من الضياع والتبديل: كانت الشعوب قبل ظهور التدوين تعتمد على ذاكرة الشيوخ في حفظ المدونات القانونية والقواعد العرفية، وبوجود الكتابة أصبحت عملية التدوين أفضل وسيلة لحفظ القانون.

3- نشر القانون وتعميمه:

   إن تدوين القانون هو الوسيلة الفعالة لنشره وتعميمه بين الناس، وإلزامهم باحترامه وتطبيقه، ومنع الخلاف في تفسيره حسب الأهواء والآراء الشخصية، وهذا مما يفرض احترامه ويضمن بقاءه.

عوامل نشأة النظم القانونية 

    إن النظم القانونية كانت تتأثر بأوضاع المجتمعات في مختلف الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعلى هذا الأساس يمكن حصر العوامل التي أدت إلى نشأة النظم القانونية في الجوانب التالية:

أ‌-                الجانب الديني:

  حيث أن الإنسان بفطرته يميل إلى التدين، ويحب أن يشبع هذه الغريزة، وقد جاءت شرائع سماوية لهداية البشر وجعلهم يعبدون خالق الكون، فسنّت لهم قوانين تحكم علاقتهم مع ربهم، ومع بعضهم البعض، كما وُجدت شرائع أخرى كانت من إنشاء الإنسان، فاتخذت بعض المجتمعات آلهة من دون الله تعالى، وظهرت تبعا لذلك قوانين مستمدة من تلك الشرائع.

ب‌-          الجانب الاقتصادي:

    لا شك أن النظم القانونية تأثرت بالجانب الاقتصادي الذي مر به الإنسان في مختلف المراحل، ومن أهم تلك المراحل:

     مرحلة البحث عن الطعام:

   وكانت منذ ظهور الإنسان، فقد بدأ يبحث عن إشباع جوعه، بالبحث عمّا يسدّ حاجته، بالتقاط الزرع والثمار مما يجد في الطبيعة.

 

    مرحلة مجتمع الصيد:

   وهي المرحلة التي انتقل فيها الإنسان إلى الصيد في البر والبحر، وابتكار الوسائل لاصطياد السمك في الماء، والطير في الهواء، والحيوان في العراء.

    مرحلة مجتمع الزراعة:

  بعد أن تمكن الإنسان من إشباع رغباته بما حوته الطبيعة من خيرات، بدأ يفكر في استغلال الأرض عن طريق الزراعة، لمضاعفة ما عنده من الطعام، وهنا بدأ التطور الاقتصادي الذي كان له التأثير المباشر على الجانب القانوني.

ج -الجانب الاجتماعي:      

   الإنسان اجتماعي بطبعه، فهو لا يستطيع أن يعيش إلا في جماعة بشرية، وقد أخذت الحياة البشرية في مختلف المراحل بنظم متعددة على اختلاف بينها في إطار الأسرة والقبيلة والعشيرة، مما كان له التأثير الواضح في النظم القانونية لتلك المجتمعات.

أهمية دراسة تاريخ النظم القانونية

    إن دراسة تاريخ النظم القانونية تكسب الباحثين والطلبة معرفة نشأة القانون ومصادره المختلفة، والأسباب الرئيسية التي ساهمت في تطروه، بما في ذلك من معرفة المراحل التي مرت بها النظم القانونية، وبالتالي نستطيع ربط حاضر القانون بماضيه، وكيفية جعل القاعدة القانونية تتلاءم مع البيئة المراد تطبيقها فيه[9].

     فلا بد لدارس القانون أن يتعرف على المراحل التاريخية لتلك النظم القانونية، حتى يستطيع من خلالها معرفة قصد المشرع عند سنّ تلك القوانين.

   ومن خلال دراسة تاريخ النظم القانونية يهتدي الباحث إلى معرفة تطور محاولات المجتمعات البشرية في إيجاد القواعد المنظمة للسلوك البشري، مما يساعد في استيعاب وفهم التشريعات، والنظم القانونية الحديثة التي اعتمد فيها المشرع على من سبقه.

    ولهذا فإن المنهجية المتبعة في هذا الشأن تقوم أساسا على دراسة أوجه الشبه، والوقوف على مواطن الاختلاف للوصول إلى معرفة مدى التماثل، ودرجة الاختلاف، ومدى الاستفادة لدى بعض الشرائع اللاحقة من الشرائع التي سبقتها.

 

 

تعريف القانون

  القانون هو مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأشخاص في المجتمع وعلاقاتهم فيه، وهي ترتب جزاءات على من يخالفها، حتى يحترم القانون ويسود الأمن والنظام في المجتمع[10].

     فالقانون لا يطلق على القواعد الأخلاقية التي لا يترتب على مخالفتها جزاءات دنيوية[11].

 

 

 

 

 

المبحث الثاني

النظم القانونية في بلاد الرافدين

    بلاد الرافدين أو النهرين هي تلك البلاد التي تقع ما بين نهري دجلة والفرات، والتي تسمّى اليوم العراق، وقد ظهرت فيها حضارة دلّت عليها المدونات التي اكتشفها العلماء، وكان سكان بلاد الرافدين يُعرَفون بالسومريين نسبة إلى منطقة سومر، وكانوا يُعرَفون كذلك بالأكاديين نسبة إلى منطقة أكاد الموجودة في شمال سومر، وقد عرفت أيضا بلاد الرافدين باسم بابل أي باب الله.

   كانت بلاد ما بين النهرين مقسمة إلى دويلات، وكثيرا ما نشبت بينهم حروب متعددة، مما أعاق حركة التقدم لحضارتهم، إلى أن تمكن أحد ملوكهم يسمى حمورابي من توحيد البلاد خلال القرن التاسع قبل الميلاد، وجعل من اللغة الأكادية هي اللغة الرسمية للدولة الموجودة، وسوف نعرض فيما يلي لأهم وأشهر النظم القانونية التي ظهرت في هذه المنطقة الجغرافية في تلك الفترة الزمنية:

 

 

 

أولا: قانون " أورنامو" (2080ق.م):

   نص قانون أورنامو على تحديد نظام الرق والبيع والشراء، والإيجار، والقرض، وبعض العقوبات لبعض الجرائم كما حدد المسائل المتعلقة بالزراعة[12].

ثانيا: قانون " لبيت عشتر " (1870ق.م):

    نص هذا القانون على نظام الأسرة ونظام الملكية، ونظام الرق دون أن يحدد تفاصيل دقيقة تبين النصوص.

ثالثا: قانون حمورابي:

      حمورابي كان من أشهر الملوك في بابل، وقد وضع مدونة قانونية تم اكتشافها عام 1902م، إثر الحفريات على يد بعثة أثرية برئاسة عالم الآثار جاك دي موربان، وقد وجدت منقوشة على حجر أسود يبلغ ارتفاعه مترين وربع المتر، وتبلغ قاعدته مترين، وقد ظهر في أعلى الصورة حمورابي منقوشا، وهو يستلهم قانونه من الشمس، لأنه كان يتخذها آلهة[13]، وقد تضمن قانون حمورابي 282 مادة، ضمّنها بداية وخاتمة، وقد بدأها بقوله:" أنا حمورابي ملك القانون، وإياي وهبني إله الشمس القوانين"، ويبدو واضحا أنه كان يعبد الشمس، ويظن أنها مصدر إلهامه هذه القوانين، ومما يلاحظ في هذه المدونة أنها جاءت مختصرة ومختلفة عن القوانين التي سبقتها، وهي مقسمة  إلى اثني عشر قسما في شكل مواد قانونية كما يلي:

القسم 1: المواد من (1 إلى 5)

    الاتهام الكاذب، شهادة الزور، تغيير القاضي للحكم، الجرائم القضائية.

القسم 2: المواد من (6 إلى 25)

  جرائم الملكية، السرقة، إخفاء المواد المسروقة، إيواء عبد هارب، السرقة مع الكسر والإضرار، سرقة دار مستغلة.

القسم 3: المواد من (26 إلى 41)

 تتعلق بشؤون الجيش.

القسم 4: المواد من (42 إلى 100)

 تتعلق بشؤون الحقل والبساتين والبيت.

القسم 5: المواد من (101 إلى 107)

    تتعلق بمخازن البيع بالجملة ودكاكين التجارة والرهينة والتعامل مع صغار التجارة.

القسم 6: المواد من (108 إلى 111)

 تتعلق بساقية الخمر.

القسم 7: المواد من (112 إلى 126)

 تتعلق بالبيع والديون والإعانات.

القسم 8: المواد من (127 إلى 195)

      أحكام الزواج وأموال الأسرة، جريمة القذف والشهيرة، جريمة الزنا، أحكام الزواج والطلاق، اتخاذ خليلة الرقيق، الابتعاد على الزوجة المريضة، هدايا الزواج، مسؤولية الزوج عن الديون، قتل الزوج، الاتصال الجنسي بالمحارم، الوعد بالزواج، مصير هدايا الزواج بعد وفاة الزوجة، هبة الأب إلى ولده في حالة ميراث الأبناء، الحرمان من الإرث، الإقرار بالبنوة والتبني، أموال الأرملة وزواجها، نساء العبيد، التبني والرضاع فمثلا[14]:

 

- تنص المادة 128:

  على أنه يحب أن يكون العقد محررا في سند خطي يتضمن اسم الزوجين بالكامل، ويتم العقد بين الزوج ووالد الزوجة بحضور شهود يضعون ختمهم على العقد المكتوب.

- تنص المواد: (159-161):

     يجب على الخاطب أن يقدم هدايا منقولة للمخطوبة، وفي حالة الإنجاب يصبح حقا للزوجة، وأما إن كان عاقرا فإنها تفقده[15]، وفي هذا القانون تعتبر هذه الهدايا كعربون لشراء المرأة حتى تصبح ملكا له دون مراعاة حقوقها كزوجة.

- تنص المادة: 162:

يجب على أب المخطوبة أن يقدم لابنته أموالا وعقارات قبل تزويجها حتى يعينها، وتكون نصيبها في المراث.

- تنص المادة: 172:

 يجب على الزوج أن يقدم لزوجته بعد الزواج أموالا لتأمين حياتها بعد موته[16].

-المادة: 141: تنص على طلاق الزوجة العاقر والخائنة في حالة إهمال الزوجة لزوجها يمكن للزوج أن ينزل زوجته إلى مرتبة العبيد.

-المادة: 143: تحرم على الزوجة مغادرة زوجها أو التخلص عنه، وإذا فعلت ذلك تعاقب بالإعدام غرقا أو ترمى من أعالي الحصون.

-المادة: 133: يمكن لزوجة أسير الحرب أن تتزوج بغيره فإذا أطلق سراحه تعود للأول.

-المادة: 185: تنص على التبني، وعندما ما يكون المتبني قد قام بتربية الشخص المتبني، وأعطاه اسمه لا يمكن لأسرة الطفل المتبني أن تطلبه.

المادة: 188: إذا كان المتبني له صنعة فنية، وعلمه ابنه بالتبني هذه الصنعة، فعندئذ لا يحق لأسرته الأصلية أن تطالب به، وإذا أنكر الطفل المتبني أباه بالتبني فإنه يقيد بالسلاسل، ويباع في سوق الرقيق، أو يقطع لسانه، أو تفقأ عينه.

المواد: (180.178.171.170): تنص على الميراث، وأنه للذكور دون الاناث، ويفرق بين أبناء الحرة والأمة، فأبناء الأخيرة لا يرثون.

القسم 9: المواد من (196 إلى 227)

 الجرائم ضد الأشخاص: ضرب الأب، إيذاء الآخر والغريب، الإجهاض، غرامات نقض العهود.

فمثلا:

المادة: 206:

الجرح العمدي يعاقب عليه بالغرامة، والجرح غير العمدي يلزم المذنب بدفع نفقات العلاج.

المواد: (214.209): إذا أسقط شخص حمل المرأة فعليه غرامة، وأما إذا أدى ذلك إلى وفاة المرأة الحامل فيعاقب المذنب بقتل ابنته.

 وهنا يتجلى بأن قانون حمورابي يعاقب الأبرياء بذنب الآخرين.

المادة: 218: في حالة إهمال الطبيب إلى إتلاف عضو المريض، ففي هذه الحالة يعاقب الطبيب بقطع يده، إذا كان المريض حرا، أما إن كان عبدا، فيدفع غرامة تعويضا على ذلك.

القسم 10: المواد من (228 إلى 240)

    أحكام أصحاب المهن: الجراح، البيطري، الوشام، البناء، بناء السفن، الملاح والأسعار.

القسم 11: المواد من (241 إلى 277)

    أحكام الزراعة والري: الثيران المستخدمة في الزراعة، الوكيل عن الزراعة، أجر العامل الزراعي، أجر راعي الماشية، عقد المزارعة، التزامات الرعاة، أجرة الحيوانات والعبيد، أجور العمال الموسميين.

القسم 12: المواد من (278 إلى 282)

   أحكام الرقيق: التزام البائع بضمان سلامة المبيع، وضمان منازعة الغير في ملكيته، شراء العبد من بلد آخر.

أهم المميزات لقانون حمورابي:

1-             أنه قانون ديني كما يظهر في المقدمة، فقد تم التصريح بجعل الشمس هي آلهة حمورابي، ومنها استمد كل القوانين، وجعلها في الخاتمة هي القاضي الأعظم للسماء.

2-             حاول حمورابي تحقيق العدالة بين الناس إلا أنه في الجوانب الجنائية أصدر عقوبات تتسم بالقسوة ولا تتناسب مع نوع الجرائم وخطورتها، ففي المادة 32 والمادة 109 يعاقب بالإعدام كل من تلبس بالسرقة، وطفف في الكيل والميزان وقاطع الطريق.

3-             قانون حمورابي يعتبر في مجال الرقي والتمدين مسايرا لما عليه القوانين الغربية الحديثة خاصة في مجال حماية العمال، والتسعير للبضائع، وغيرها من الجوانب التي نظمها.

4-             تضمنت شريعة حمورابي جوانب راقية في مسؤولية الدولة في حماية المواطن، وهذا ما أشارت إليه المادة 23 التي جاءت فيها:" إذا لم يُضبط السارق، فإن صاحب المتاع المسروق يقدم تفاصيل المسروقات، وعندئذ تعوضه المدينة وحاكمها التي وقعت السرقة في ناحيتها عن متاعه المسروق "، ونصت المادة 24 على:" أنه إذا أدت السرقة إلى خسارة في الأرواح، دفعت المدينة وحاكمها إلى ورثة القتيل (ميتا) من الفضة كتعويض ".

5-             يتجلى في قانون حمورابي أنه كان لا يعطي للمرأة حقها، وخاصة من الميراث.

 

  

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثالث: النظم القانونية في مصر الفرعونية

    يبتدئ تاريخ مصر الفرعونية من القرن 32 ق.م، وقد تعاقب على الحكم فيها ثلاثون ملكا، كلهم كانوا يحكمون بنفس النمط في الحكم، حيث كان الحاكم فيها يسمى فرعون[17]، وقد كانت فيها أولى الحضارات التي عرفها الإنسان، وهي لا تزال إلى اليوم شاهدة على مدى عراقة هذه الحضارة، وقد كان الحكم قائما على أساس فكرة الحق الإلهي[18]، التي تعطي للحاكم الحق المطلق، فهو صاحب كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكانت عندهم معتقدات تجعل الحاكم إلاها يعبده الناس، ومن ثم فقد لجأ نظام الحكم إلى اتخاذ مقرّبين أعطاهم اسم الكهنة يقومون بالإشراف على شعائر الحاكم المعبود، ويتنقلون في المناطق والأقاليم لإخضاع الناس، وجعلهم يقدسون هذه الطقوس الكهنوتية، وقد استغل هؤلاء الكهان مناصبهم الدينية، فقاموا بتجميع الأموال والعقارات والأراضي بحجة جعلها زادا لنفقات المعابد[19] .

    وبهذا صار الشعب مقسما إلى طبقات، فالكهان ومن يدور في فلكهم يعتبرون من النبلاء والأشراف، ويتمتعون بكامل الحقوق، وأما باقي الفئات الأخرى فهي ملزمة بخدمة النبلاء بالإضافة إلى وجوب دفع الضرائب لتأمين الحياة الرغيدة للطبقة الأعلى.

    كان الملك الذي يسمى فرعون، يصدر الأوامر والتعليمات لعماله وموظّفيه من أجل تطبيق القانون الذي يصدره ويفرض الامتثال لأوامره، ففي أحد التعليمات التي أصدرها الفرعون لوزيره المسمى "أكمراه"، وكانت تتعلق بممارسة القضاء مؤرخة في بداية القرن 20 ق.م، يدعوه فيها إلى ممارسة العدالة[20].

    ويتجلى من خلال الأوامر والتعليمات التي كان يصدرها الفرعون أنها كانت تخضع لاستفتاء الآلهة، وهي الأسرة الحاكمة التي كان الناس يعبدونها.

    لقد كانت نظم مصر الفرعونية قائمة على أساس الإشراك بالله تعالى، وإجبار الناس على عبادة الفراعنة، وجعلهم آلهة، وهذا ما أثبتته الحقائق التاريخية، وقد أخبر القرآن الكريم عن حالهم في أكثر من موضع في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون وقومه.

    وقد اشتهرت مدونات قانونية عثر عليها الباحثون في مصر الفرعونية، ونقتصر على أهمها، ومنها:

 

 

   قانون بوخوريس:

    ينسب هذا القانون إلى الملك بوخوريس الذي حكم مصر من سنة 720 ق.م إلى 715 ق.م، وكان له الفضل في تأسيس الأسرة الرابعة والعشرين، وقد سنّ مدونة قانونية، جعل فيها كثيرا من المواد، تناولت مختلف الجوانب سواء في الأحوال الشخصية أو المعاملات أو غيرها، وكان من أهم البنود التي جاءت في مدونته:

- منح المساواة للمرأة مع الرجل.

- للمرأة الحق في الشخصية القانونية الكاملة، وتتساوى مع الرجل في الوراثة.

- نص على جواز التعدد في الزوجات، وكذلك السماح باتخاذ الزوجات غير الشرعيات[21].

- أن تكون العصمة بيد الزوجة.

- يجوز الزواج بالبنات للأسرة الحاكمة للحفاظ على

-        الدم الملكي[22].

- يجب كتابة العقود وتدوينها ولابد من وجود الرضا بالتصريح، ولا يجب أداء اليمين فيها .

- عند عدم الوفاء بالدين يترتب على المدين فوائد ربوية تعد ب 30% بالنسبة للنقود، و33% بالنسبة للمحاصيل الزراعية[23].

- إلغاء الرق بسبب الدين، وعندما يعجز عن الوفاء بالدين يطبق الفوائد الربوية بالنسب المذكورة سابقا.

خصائص قانون بوخوريس:

-        أنه اعتمد على العادات والتقاليد القانونية التي سبقته، مع إدخال بعض التعديلات عليها، وأنه أثبت حرية التعاقد والخدمة المستقلة لكل فرد في الأسرة، والتنصيص على الكتابة في مجال الإثبات.

-        أنه تأثر بمدونة حمورابي في باب الالتزامات والعقود.

-        أنه يعتبر خاتمة المطاف في تطور القانون الفرعوني القديم، وأن المدونات التي جاءت بعده قد تأثرت بها.

  قانون أمازيس:

   ينسب هذا القانون إلى الملك أمازيس الذي حكم مصر عام 567 ق.م، وقد وضع مدونة قانونية حملت اسمه، وحاول أن ينفرد بمنظومة قانونية متميزة إلا أنه صار على ما سَنّه بوخوريس من قبل، وقام بإدراج بعض التعديلات التي لم تخرج عن كونها امتدادا لمدونة من قبله، ومن بين البنود التي أضافها ولم تكن موجودة من قبل:

-        أنه قام بتشريع قانون ينظم فيه مهنة السرقة، ويجعلها من الحرف المقنّنة، حيث نص قانونه على أن كل من يريد احتراف السرقة أن يسجل نفسه عند كبير السراق، وكل من سرق منه شيء عليه بالحضور لأخذه بعد تعريفه مقابل دفع ربع قيمته[24].

 قانون حرب حب:

  تنسب هذه المدونة الى الملك حرب حب، وهو آخر فراعنة الأسرة الثامنة عشر، وقد اشتملت على مواد مختلفة منها على وجه الخصوص ما تعلق ببعض العقوبات على بعض الجرائم، ونذكر منها:

 المادة رقم 9:

   القاضي الذي يصدر حكما فاسدا يعاقب بجذع الأنف وقطع الأذنين.

المادة رقم 10:

       من امتنع عن إنقاذ شخص أوشك على الهلاك فعقوبته الجلد والصوم ثلاثة أيام.

 

    المادة رقم 11:

كل من سرق يلزم برد ضعفين من قيمة الشيء المسروق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الرابع: النظم القانونية عند اليونان

  اليونان تقع في آسيا الصغرى، وقد سادت فيها نظم قانونية وحضارة، حيث ظهر عند اليونان ملوك حكموهم بنظم ومدونات، وسوف نتناول أهم تلك النظم التي وصلتنا[25].

  قانون ليكرجس:

   تنسب هذه المدونة القانونية إلى الملك ليكرجس الذي حكم مدينة إسبرطة حوالي عام 900 ق.م، وقد استطاع القضاء على الصراع الدائر بين الملوك التي كانت الحروب تفتك بهم، وخاصة عندما ظل ملكان يتصارعان على حكم إسبرطة، فسنّ لهم قوانين توزع السلطة بينهما، وتجعل لكل واحد سلطات يختص بها وتنتهي عند حدود سلطات الآخر بالاعتماد على نظام القبائل، وبهذا استطاع أن يوقف الحرب التي دارت لمدة طويلة، وكادت تبديهم جميعا.

    ونص قانون ليكرجس على إنشاء المجالس، فقد نص على إنشاء المجلس الشعبي الذي يتكون من المواطنين الأحرار من السكان الأصليين لإسبرطة، واشترط أن يكون السنّ لعضويته يفوق الثلاثين، وله مكان محدد يجتمع فيه شهريا، ويختص الملك بدعوة المجلس إلى الاجتماع، ويأتي بعد المجلس الشعبي، مجلس الشيوخ الذي جعله القانون مجلسا استشاريا للملك، وله أيضا صلاحية التشريع، ويتكون من ثلاثين عضوا ينتخبون من بين أعضاء المجلس الشعبي، وتبقى لهم العضوية مدى الحياة، ويضطلع مجلس الشيوخ وفق قانون ليكرجس بمناقشة السياسة العليا للدولة، وتقديم النصائح للملك، والبتّ في المسائل ذات الأهمية القصوى، كما نص القانون على إنشاء هيئة عليا تتكون من خمسة أفراد وتكون في عاصمة الدولة، تتولى إدارة البلاد وقت الحرب، وتقود الجيوش، ولها صلاحيات واسعة في اتخاذ كل القرارات التي تناسب مصحة البلاد، وتسمّى هذه الهيئة بهيئة الأفورين.

 قانون داراكون:

   تنسب هذه المدونة إلى الملك داراكون الذي حكم اليونان خلال عام 620 ق.م، فقد عمل على تشريع قانون يهدف إلى التخفيف من الأعمال التي كانت مفروضة على الضعفاء والفئات المحرومة، إثر تزايد الصراع بين الطبقات بسبب سوء التوزيع للثروات، مما أدى إلى عجز الفقراء عن تسديد ديونهم، فلجأوا إلى بيع أراضيهم ودخولهم في الاسترقاق، فقام الملك داراكون بتشريع عقوبات، وصفت بأنها الأشد قسوة في تلك الفترة، رغم أنه كان يهدف من خلالها إلى القضاء الظلم والاستغلال، إلا أنه لم يفلح في القضاء على نظام الطبقات الذي تجذر في تلك المجتمعات، فكانت النتيجة أن ظهرت ثورات ضد هذه القوانين المشدّدة وطالبوا بإلغائها.

أهم الخصائص لقانون داراكون:

-        أنه جاء لإنقاذ أثينا وإعادة النظام إليها، وجعل كلمة القانون هي العليا.

-        أن هذا القانون صدر باسم الشعب وليس باسم الآلهة.

-        أنه تبنى كثيرا من العادات والتقاليد العرفية التي كانت سائدة، وأعاد صياغتها.

 قانون صولون:

   تنسب هذه المدونة إلى الملك صولون الذي حكم اليونان خلال سنة 590 ق.م، وقد قام بتشريع قانونه لتنظيم مختلف الجوانب والمجالات، ففي مجال الأسرة نص قانون صولون على عدم السماح بالتعدد في الزوجات، والسماح باتخاذ زوجات غير شرعيات، كما يسمح للأب أن يتنازل عن أبنائه إلى أسرة أخرى من أجل تبنّيهم، ومنع الزوجة من أي حق، إذ لم يجعل لها الشخصية القانونية فهي متاع للزوج[26].

   كما نص قانون صولون على أن الأجانب لا حق لهم في المجال السياسي والمدني، فلا يجوز لهم إبرام عقود الزواج والبيع والتملك، باستثناء ممارسة التجارة والصناعة، بشرط أن يكونوا تحت وصاية أحد المواطنين من الدولة، فإن خالف قوانين البلاد، فإنه يصبح عبدا بموجب القانون، والعبيد في هذا القانون لا يجوز لهم تكوين أسرة ولا امتلاك شيء، فهم مثل الأموال المنقولة.

وأما بالنسبة لحق المواطنة فقد اشترط قانون صولون ثلاثة شروط:

الأول: أن يكون من أهل البلاد.

الثاني: أن يكون رجلا، فالمرأة لاحق لها في ذلك.

الثالث: أن يكون ابنا شرعيا، فإن ابن الزنا لا حق له.

  ومما يتضح من بنود القانون الذي شرعه صولون أنه يكرس نظام الطبقات على أساس المادة، فقد حصر الوظائف السامية على طبقة الأشراف والنبلاء، ومن الأغنياء بما يملكونه من الأموال، فالذي يملك مقدار 500 مكيالا مما تنتجه الأراضي من الحبوب والزروع والثمار، يحق له المشاركة في أعلى الوظائف، وهناك طبقة أدنى من هذه المرتبة، وهي طبقة الفرسان، وهي مخصصة للذين يملكون بين 300 و500 مكيالا، وهؤلاء لهم الحق في تولي وظائف الجيش والحرس والإدارة ونحو ذلك.

   وأما الذين لا يملكون هذا المقدار فهم من الطبقات الدنيا التي لا يحق لها تقلد الوظائف السامية والإدارة، فهي طبقات جعلها القانون خادمة للطبقات العليا، وتفرض عليها ضرائب مقابل السماح لهم بالعيش مع النبلاء والأغنياء، رغم أنهم عماد الاستقواء لدى هؤلاء، لأن الدولة بأسرها تقوم على الطبقة الكادحة.

أهم المميزات لقانون صولون

-        أنه جاء للإصلاح الاجتماعي والقضاء على تحكم الأقوياء في الضعفاء، إلا أنه لم يحقق هذه الأهداف.

-        أنه صدر في ثوب ديمقراطي بعيدا عن الصياغة الدينية.

-        أنه تأثر بالنظم الفرعونية، وأخذ بكثير من القواعد العرفية بعد إدخال التعديلات عليها في مجال الإصلاح الاجتماعي، وأنه لم يشتمل على كل القواعد القانونية والكثير منها ترك للعادات.

-        أنه قام بتخفيف الآثار المترتبة على الديون بإلغاء التنفيذ على جسم المدين، واستبداله بالتنفيذ على أمواله، وإلغاء الرهون التي كانت مقدرة على عقارات الفلاحين.

-        أنه قام بتعديل نظام الإرث وتنظيم الأسرة، فقد سمح بانقضاء السلطة الأبوية عند بلوغ الابن سنا معيّنا، وإثبات الذمة المستقلة له، وكذلك توسيع الميراث ليشمل كل الأبناء بعد أن كان مقتصرا على الابن الأكبر مع إبقاء الحرمان للبنات في الميراث.

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الخامس: النظم القانونية عند الرومان

كانت الشعوب التي تعيش في روما وما جاورها تتمسك بالتقاليد والأعراف، وظهرت عندهم مراحل للحكم اختلفت من زمن لأخر، فقد كانت الأنظمة في العصور الأولى تسير وفق النظام الملكي، ثم ظهرت بعد ذلك أنظمة تحكم بالنظام الجمهوري[27].

    ففي المرحلة التاريخية الأولى التي كانت قبل 754 ق.م إلى 510 ق.م لم يصلنا عنها أية مدونات قانونية، فقد كان الكهّان ورجال الدين يرسمون للملوك طريقة تسيير شؤون الحكم، وقد جعلوا من التقاليد والأعراف والطقوس الدينية على شكل قوانين يلزم بها الناس، ويثبتون بها سيطرة الملك باسم الدين[28].

وابتداء من السنة 510 ق.م إلى 27 ق.م انتقل نظام الحكم عند الرومان إلى نظام جمهوري، حيث تحول انتقال الحكم الذي كان عن طريق الوراثة إلى الانتخاب واختيار الرؤساء ومن أشهر المدونات القانونية في هذه الحقبة الزمنية:

 قانون الألواح الاثنا عشر

حيث صدر هذا القانون بين سنتي 451 ق.م و449 ق.م وقد جاء هذا القانون مقسما كما يلي:

-        الألواح: الأول والثاني والثالث:

تناولت: الإجراءات الشكلية للدعوى، والتكليف بالحضور، استدعاء الشهود.

-         الألواح: الرابع والخامس:

 تناولت: الزواج، الطلاق، الميراث، الوصية.

-        الألواح: السادس والسابع

تناولت: الملكية وتوثيق العقود.

-        الألواح: الثامن والتاسع والعاشر

تناولت: الجرائم والعقوبات.

-        الألواح: الحادي عشر والثاني عشر

تناولت: الحقوق الفردية.

   وقد جاء هذا القانون إثر احتدام الصراع بين الطبقات     واستئثار النبلاء والإشراف بتولي المناصب، واحتكار السلطة والثروات، وتداول المنافع بينهم دون غيرهم من الطبقات الفقيرة، فقامت ثورة على هذا الوضع عام 464 ق.م كان أهم ثمارها سن قانون الألواح الاثنا عشر الذي نص على الحقوق الفردية لكل المواطنين من كل الفئات، ومن بين أهم النظم الواردة في هذا القانون:

 

 

 نظام القضاء:

   فقد تضمن نظام القضاء مجموعة من الإجراءات الشكلية التي يجب إتباعها عند رفع الدعوى، وعند مخالفتها يضيع الحق للمدعي، وقد قسمت الدعاوى إلى:

-        دعاوى القسم:

   وهي الدعاوى المخصصة للدفاع عن الحق، وتكون في حالات حمل الخصم على الاعتراف، وذلك عن طريق أداء اليمين لإثبات الدين، ويترتب على خاسر الدعوى دفع غرامات لفائدة الخزينة.

-        دعوى تعيين طلب القاضي:

  وتكون هذه الدعوى عند طلب تقسيم الميراث، ففي هذه الحالة ينص القانون على وجوب اللجوء إلى المحكمة لطلب تعيين حكم للفصل في المسائل المتنازع فيها بين الورثة.

-        دعوى إلغاء اليد:

   وهي الدعاوى التنفيذية التي يصدر فيها القضاء حكمه في ثبوت الدين، وفي هذه الحالة فإن الدائن يحق له أن يقوم بحبس المدين، كما يحق له بيعه كالعبيد أو قتله أو تشغيله في خدمته على سبيل الاسترقاق.

-         دعوى أخذ رهينة:

   وتكون هذه الدعوى عند ثبوت الدين والتحقق من وجود مال للمدين، فيحق للدائن أخذه كرهينة من أجل استيفاء حقه.

 نظام الأسرة

 تخضع الأسرة في قانون الألواح الاثنا عشر إلى سلطة الأب، فهو المالك لأموالها، وكل أفراد الأسرة يخضعون لقراراته بما فيهم الزوجة والأولاد والعبيد على حد سواء، وعند وفاة الأب تجب الوصية للقاصرين والنساء، وكذلك المال بالنسبة للمجانين والسفهاء.

 نظام الأموال

قسم قانون الألواح الاثنا عشر الأموال إلى نوعين:

-        الأموال النفيسة:

   وتخص العقارات والوسائل التي يتم استغلالها، ويتم نقل ملكيتها عن طريق إبرام عقد بحضور الطرفين وخمس شهود بالغين أمام المحاكم، ويقوم حامل الميزان بتسجيل العقد بصيغة رسمية.

-        الأموال غير النفيسة:

   وهي التي لا تكون ذات قيمة مالية معتبرة، ويتم فيها نقل الملكية بمجرد التسليم.

 نظام الجرائم[29]

قسم قانون الألواح الاثنا عشر الجرائم إلى نوعين:

-        الجرائم الخاصة:

وهي التي تقع على الشخص.

-        الجرائم العامة:

 وهي التي تمس بالمصلحة العامة، كالخيانة العظمى والاعتداء على الديانات والهروب من الحرب.

وبعد العهد الذي ساد فيه النظام الجمهوري، ظهر نظام آخر يسمى بالعهد الإمبراطوري، وقد كان من عام 27 ق.م إلى 565 م.

   ومن أشهر المدونات القانونية التي ظهرت في هذه الحقبة الزمنية قانون تيودور وقانون جوستيان، وبيان ذلك فيما يلي:

 قانون تيودور

   وكانت هذه المدونة قد أنشأها الإمبراطور تيودور الذي كانت فترة حكمه من 408 م إلى 450 م، وقد جاء قانون تيودور مقسما إلى 16 كتابا مفصلة كما يلي:

-        الكتاب الأول: مصادر القانون وصلاحيات موظفي الإمبراطور.

-        الكتاب الثاني: القانون الخاص.

الكتب من 3 -16:

القانون العام-القانون المالي-القانون الجنائي.

 

 قانون جوستيان

   تنسب هذه المدونة إلى الإمبراطور جوستيان الذي حكم الرومان من 527 م إلى 565 م، وقد اشتملت هذه المدونة القانونية على مجموعة من الأبواب تناولت تنظيم الزواج والميراث والدعاوى القضائية والأموال والأشخاص وأبواب القانون بصفة عامة[30].

   ومن خلال ما سبق بيانه في أشهر المدونات القانونية التي ظهرت عند الرومان يمكننا الإشارة إلى أهم الخصائص التي تميزت بها هذه المدونات:

  ففي مجال العقوبات نجد أن القانون الروماني اتسم بالقسوة الشديدة، فمثلا عقوبة السارق إن كان الجرم وقع ليلا، فإن القانون يجيز للضحية قتله، وأما إن كان قد وقع في النهار، فإن كان حرا صار عبدا للضحية، وإن كان عبدا فإنه يجلد ثم يعدم.

   وفي أغلب الجرائم يعطي القانون الروماني الحق للمجني عليه في إيقاع العقوبة التي يختارها دون أن تتدخل الدولة في تحديد نوع العقوبة، وأما في الأحوال الشخصية، فقد منع القانون الروماني الزواج بين الأقارب بسبب علاقة الأبوة والأخوة عكس ما كان عند النظم القانونية في مصر الفرعونية، كما منع القانون الزواج بين الطبقات، فالأشراف والنبلاء لا يجوز لهم الاقتران بالعامة والعبيد، وكذلك الشأن عند اختلاف الديانة، فقد منع القانون الزواج بين اليهود والنصارى لعدم وجود الكفاءة في الدين.

مميزات المدونات القديمة:

تميزت المدونات القديمة بميزات أهمها:

1-             أنها تمثل صورة صادقة لتطور المجتمعات القديمة.

2-             أنها اتبعت تبويبا خاصا بأسلوب موجز في جمل شرطية تبدأ بأداة الشرط مثل: "إذا، إن" وتنتهي بجواب الشرط، وتصاغ بضمير الغائب، وهي في مجموعها لا تتناول المبادئ العامة والأصول بل تعالج الفروع والجزئيات.

3-             اختلفت المدونات القديمة من حيث مضمونها من بيئة إلى أخرى، منها ما اقتصر على القواعد القانونية وحدها والبعض الأخر ضمنها القواعد الأخلاقية والدينية.

4-             كان احترام مختلف المدونات القانونية متباينا من خلال الظروف التي أحاطت بصدورها، فمنها ما كان صادرا عن الآلهة التي كانت مصدر الإلهام، فيجبر الناس على تطبيقها، ومنها ما صدر نتيجة الأحداث السياسية والاجتماعية فقام الشعب على تطبيقها من تلقاء نفسه.

 

 

الفصل الثاني

النظم الإسلامية

المبحث الأول

تعريف ونشأة وأنواع النظم الإسلامية

المبحث الثاني

خصائص النظم الإسلامية

المبحث الثالث

نماذج من النظم اٌسلامية

 

 

 

 

تمهيد

   جاءت رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمنهاج شامل لكل نواحي الحياة، فقد نظمت علاقة الإنسان بربه، وبأخيه الإنسان، وكذا علاقته بمجتمعه ودولته، وتضمنت الشريعة الإسلامية جميع ما يصلح شؤون الإنسان الدينية والدنيوية على حد سواء، ولم يترك التشريع الإسلامي جانبا من حياة الناس إلا وشرع له نظاما دقيقا محكما، يضبط أحواله ويحدد معالمه، وذلك في مختلف المجالات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها، ومنذ أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أقام فيها الدولة التي تحكمها شريعة الإسلام، وطبّق فيها النظم التي شرّعها الله تعالى لعباده في كافة شؤون الناس، وسار على هذا النهج من بعده خلفاؤه الراشدون ثم المسلمون من بعدهم قرونا من الزمان، يتحاكمون بهذه النظم فسادوا وسعدوا، وأقاموا حضارة زاهرة لا تزال معالمها ظاهرة للعالمين.

   وبعد تلك العصور الذهبية التي عاشتها المجتمعات المسلمة متنعمة بتعاليم التشريع الإسلامي، جاءت فترة الاستعمار الحديث الذي احتل معظم البلاد الإسلامية، وقام بإزاحة تلك النظم الإسلامية، وأحل محلها النظم الغربية، حتى صار واقع المسلمين في كثير من البلاد الإسلامية بعيدا عن تطبيق تعاليم الإسلام ونظمه في مجالات الحياة، وظهرت أصوات وحملات تنادي زورا وبهتانا بأن الإسلام لا يتلاءم مع العصر، ولا يواكب الحضارة، فتصدى لهم العلماء، وكان لهم بالمرصاد النخبة من الفقهاء، فدحضوا أباطيلهم، وكشفوا زيف أقاويلهم، ببيان عظمة الشريعة الإسلامية، وجدارة نظمها لقيادة الحياة، والأخذ بيد البشرية الحائرة إلى بر الأمان، وتحقيق السعادة للأفراد والمجتمعات .

    المبحث الأول

 تعريف ونشأة وأنواع النظم الإسلامية

التعريف بالنظم الإسلامية 

  تعرف النظم الإسلامية بأنها المبادئ والأحكام التي شرعها الله لعباده على لسان رسوله ليستقيم بها أمر الناس في معاشهم ومعادهم[31]، وبالتالي فهي القوانين والتشريعات والأحكام والمناهج والمبادئ والتعاليم والقواعد التي وضعها الإسلام، أو تلك التي تكون مأخوذة منه، لتنظيم وإقامة حياة المجتمع المسلم على أساسها، فرْدًا كان أو جماعة.

 

 

 

نشأة النظم الإسلامية

    تعود نشأة النظم الإسلامية إلى عصر النبوة، فقد كانت نشأتها على يد النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من أرسى دعائمها، بما أوحى الله تعالى له من الكتاب والحكمة، وقد اكتملت باكتمال الدين وتمام النعمة منذ أن نزل قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[32].

أنواع النظم الإسلامية:

   إن الإسلام الذي ارتضاه الله وأكمله لنا يشتمل على نظم متعددة مترابطة متداخلة في كيان واحد، أبرزها ما يلي:

النظام العقدي:

  وهو المسائل الاعتقادية التي يجب على المسلم الإيمان بها من أركان الإيمان الستة وهي: الإيمان بالله عز وجل، واليوم الآخر، والملائكة، والكتب، والرسل، والقضاء والقدر، خيره وشره.

نظام العبادة:

  وهو ما تعلق بالعبادات، من حيث الحل والحرمة والوجوب والندب والكراهة.

 

النظام الاجتماعي:

 ويعنى بالنواحي الاجتماعية والعائلية مثل ما يتعلق بعلاقات الأفراد ببعضهم البعض، وواجب الفرد تجاه الجماعة وغيره.

النظام الخلقي:

 وهو ما تعلق بالدعوة إلى الفضائل ومحاسن الأخلاق والنهي عن مساوئها.

النظام المالي أو الاقتصادي:

وهو ما نظّم الجوانب المالية، وأحكام موارد الدولة الإسلامية ومصارفها.

النظام السياسي:

   وهو القواعد المنظمة للحكم في الدولة الإسلامية وتولية الحاكم والعلاقة بينه وبين المحكوم وحقوق كل منهما وواجباته.

نظام العلاقات الدولية:

   وهو ما تعلق بالأحكام التي تتناول تنظيم علاقة الدولة الإسلامية بالدول الأخرى في السلم والحرب والقوانين الخاصة بمعاملة الأجانب غير المسلمين في الدولة الإسلامية[33].

    وتجدر الإشارة في هذا المضمار، أن النظم الإسلامية لا تقتصر على ما ذكرنا من هذه الأنواع، بل هناك نظم عديدة ومتنوعة لا يتسع المجال لذكرها، لكثرتها وشمولها كل نواحي الحياة، إذ أن هناك ما ينظم الجزئيات، وآخر يحدد الكليات، وقد تناول الفقهاء بالتفصيل مختلف النظم الإسلامية كالنظام السياسي، والنظام المال، والنظام الإداري وغيرها من النظم.

المبحث الثاني

خصائص النظم الإسلامية [34]

تتميز النظم الإسلامية عن سائر النظم الأخرى بعدة خصائص نقتصر على بعض منها، ونختصرها في يلي:

-        الشمولية:

   فهي قد شملت كل شؤون الحياة، فلا يوجد شيء إلا وقد حدد له الإسلام نظاما يسيّره ويفصّل أحكامه.

-        الاستقلال عن باقي الأنظمة:

   فهي نظم قائمة بذاتها، وليست مستمدة أو مقتبسة من النظم القديمة أو الحديثة، لاكتفائها واستغنائها عن غيرها بأصولها وقواعدها.

 

 

-        المرونة والديمومة:

   فهي نظم تتسم بالاستمرار والبقاء، لأنها تواكب المصالح المتجددة، بما يلبّي الحاجات، ويحقق المصالح، بما تحويه من القواعد والأصول التي تستوعب المكان والزمان.

-         الواقعية والمثالية:

   فالتكاليف الشرعية كلها قائمة على الاعتدال واليسر، ومراعاة الجانب الواقعي لطبيعة الإنسان وفطرته، فلا حرج ولا مشقة، ولا تكليف إلا بمقدور، ومن جهة أخرى، جاءت هذه التعاليم تدعو إلى الاقتداء بالنموذج البشري الكامل المتمثل في شخص النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:( لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ، وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[35].

-        تحقيق المصالح ودرء المفاسد:

   فكل أنظمة الإسلام جاءت لرعاية المصالح الدنيوية والأخروية، ودفع المفاسد والمضار للفرد والجماعة، وهذا وفق مقاصد الشريعة، قال الله تعالى:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[36].

يقول عز الدين بن عبد السلام، (إن الشريعة كلها مصالح، إما درء مفاسد أو جلب مصالح)[37]، ويقول محمد بن الحسن الشيباني: (إن أحكام المعاملات-وهي تكوّن معظم أنظمة الإسلام-تدور مع المصلحة وجودا وعدما)[38]، وهكذا بُني كيان الشريعة على هذه القاعدة، يقول ابن القيم: (فكل مسالة خرجت من العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة على العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه)[39].

والمتأمل في النصوص الشرعية يجد أنها علّلت أحكامها بجلب المصالح ودرء المفاسد، مما يؤكد أن من مقاصد الشريعة تحقيق المصلحة، ففي تحريم الخمر، دفع لمفسدة العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)[40]، وفي منع مباشرة الزوجة أثناء الحيض، دفع لمفسدة الأذى، قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[41]، وفي تشريع القصاص تحقيق لمصلحة الحياة، قال الله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[42]، وهذا في كل الأحكام الشرعية والأنظمة الإسلامية، بل إن الرسالة المحمدية برُمّتها جاءت معلّلة بالرحمة، التي تتضمن مقاصد الشريعة بجلب المصالح ودرء المفاسد، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[43].

      ثنائية الجزاء:

     فهي ترتب الجزاء الدنيوي والأخروي في آن واحد، فمن أفلت من رقابة الدولة وتنفيذ القضاء، فهو ملاق جزاءه في يوم لا ريب فيه، وهذا أعظم منهاج لإصلاح المجتمع واستقراره، وزجر المخالفين والمذنبين، ولا توجد هذه الخاصية في باقي النظم الأخرى.

     وبعد هذا البيان الموجز للنظم الإسلامية من حيث نشأتها وأنواعها، وخصائصها، وبالنظر إلى كثرتها وتنوعها، واتساع المباحث فيها سنتناول أمثلة للذكر لا للحصر من هذه النظم الإسلامية، وعلى هذا الأساس فإن المقام يقتضي منا أن نقتصر على ذكر بعض منها، باختصار غير مخل، ولا إطناب ممل.

 

 

المبحث الثالث:

نماذج من النظم الإسلامية

نظام الأسرة

نظام الميراث

نظام القضاء

 

 

 

 

 

 

  نظام الأسرة

    جعل الإسلام الأسرة هي الخلية الأساسية التي يتكون منها المجتمع، وقد وردت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة تبين القواعد الأساسية التي ينبغي على أفراد الأمة الإسلامية التمسك بها عند تكوين الأسرة، لتُبْنى على أساس شرعي، ومن خلالها يتماسك بناء المجتمع، وسوف نعرض فيما يلي لأهم القواعد التي جاء بها الإسلام لتكوين الأسرة وحمايتها فيما يلي:

أركان الزواج:

     العلاقة الزوجية هي الُسنّة الكونية الثابتة عند كل المخلوقات، سواء الإنسان أو الحيوان أو النبات، قال الله تعالى: (وَمِنْ كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[44]، ومما كرم الله تعالى به الإنسان على سائر الكائنات أنه نظم اتصال الذكر بالأنثى ليحفظ له شرفه ويصون كرامته، ولهذا جاءت شريعة الإسلام بنظام الزواج الذي ضبط الأركان والشروط والموانع التي ينبغي مراعاتها عند تكوين الأسرة، وقد توارث الناس أنواعا متعددة من الأنكحة الفاسدة، فلما جاء

الإسلام هدمها مثل: نكاح الخدن[45]، نكاح البدل[46]،

 

نكاح الاستبضاع[47]، نكاح الشغار[48]، ونكاح المتعة[49].

 وهكذا أبطل الإسلام كل الأنحكة الفاسدة، وأحاط الأسرة بكل ما من شأنه أن يحمي النسل، ويصون المرأة، وينظم الغريزة البشرية.

   وبالنظر إلى مقاصد الشريعة الإسلامية من خلال تشريع الزواج، نجد أنه اشتمل على كل أنواع المقاصد، كحفظ الدين، والنفس، والنسب، والعرض، فالنكاح هو السبيل المشروع لوجود النسل الذي خلقه الله لعبادته، لذلك كان الصلاح في الدين من أهم ما يشترط في الخاطب والمخطوبة، ففي الخاطب ورد قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)[50]، وفي المخطوبة ورد قوله عليه الصلاة والسلام: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)[51]، وأما حفظ النفس، فإن النكاح هو السبيل المشروع لوجود النفس واستمرار بقائها، وبالزواج تتمّ رعاية النفس في صغرها حتى تكبر ويشتدّ عودها، وفيه رعاية الرجل للمرأة حفظاً وتوجيهاً وإنفاقاً، وبه يتحقق دفع الضرر عن النفس، على الوجه المشروع، بإشباع شهوة الزوجين، والقضاء على ما يضر احتباسه في الجسم، وأما حفظ النسب فهو أظهر وأهم مقاصد الشريعة في تشريع الزواج، فهو الذي ينظم النسل، ويربطه بأصله وأواصر القربى التي هي مبتغاه في هذه الحياة، لما فيها من البواعث والدوافع لتحقيق السعادة والأنس، بمجموع الأرحام التي ينتجها الزواج، وأما حفظ العرض بالنكاح، فيتجلى فيه الأمر بكل وضوح بغض البصر وإحصان الفرج لكل من الزوجين، بما أحله الله تبارك وتعالى من تحقيق التمتع، وقضاء الوطر، استغناءً عن ما حرم الله تعالى.

   وقد جعل الله تعالى علاقة الرجل بالمرأة مقدسة ، قال الله تعالى:(وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)[52]، فهي سنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً)[53]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أربع من سنن الأنبياء الحناء، والتعطر، والسواك، والنكاح)[54]، ولهذا لا يحل الاستمتاع بين الرجل والمرأة في الإسلام إلا على الوجه الذي شرعه الله تعالى، وبه تثبت الحقوق والواجبات التي يلتزم بها الطرفان، ولا يكون ذلك إلا بالإيجاب والقبول والولي والصداق  والإشهاد[55]، وأن يتم ذلك كله وفق ما شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من إجراءات الخطبة التي تتم بين الزوجين وأهلهما، كمقدمات للتعارف من أجل النظر في تكوين الأسرة على أساس المودة والرحمة والتعاون وإحصان الزوجين، والمحافظة على الأنساب[56] .

   لقد أوجب الإسلام أن يكون الزواج منعقدا على أساس التأبيد، وفي هذا من مقاصد الشريعة، ما يقرر المحافظة على النسل، ويضمن استمراره، فهو لم يُشَرَّع لتلبية دواعي الفطرة في قضاء الشهوة، فهذا من الأمور الزائلة، بل إن إيجاد النسل واستمراره، يستوجب الديمومة والتواصل المستمر بين الزوجين، ولهذا منع الشرع في هذا الشأن، العقود التي تشتمل على التأقيت أو التأجيل، كزواج المتعة ونحوه[57]، فقد روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية[58].

  ومن مقاصد الشريعة في الزواج، تحقيق السكن والمودة والرحمة  بين الزوجين، مما يوجد التآلف والتعاون على البر والتقوى، ويديم العشرة بالمعروف، قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[59]، وهذا له الأثر الكبير في استقامتهما على العبادة، فيتحقق إعمار الأرض وإصلاحها، وهو المقصد الشرعي من خلق الإنسان، مصداقا لقوله تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)[60]، وهكذا نجد أن من مقاصد النكاح بناء الأسرة المسلمة، التي تطيع ربّها، وتعمل بأحكامه وتعاليمه، وتسهم في بناء المجتمع الإسلامي الصالح، وبناء الأمة المسلمة والقائدة، التي اختارها الله تعالى لتكون خير أمة أخرجت للناس، بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله، قال الله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[61]، ولا يخفى ما تعانيه المجتمعات التي لم تنعم بهذا التشريع السماوي، من ويلات الشذوذ الجنسي، والزواج المثلي، والابتعاد عن الفطرة السويّة.

  وقد جعل الإسلام للزواج أركان وشروطا لا يتم العقد إلا بتوافرها وهي:

الولي: وهو أب الزوجة أو أحد أقاربها، والقاضي ولي من لا ولي له[62]، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:) لا نكاح إلا بولي)[63]، وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان[64].

-الصداق: ويسمى كذلك المهر، وهو ما يعطى للمرأة من المال نحلة، لبيان الرغبة في الزواج، ويكون من النقود والعقارات وغيرها، من كل ما هو مباح شرعا، ويصبح ملكا للزوجة بمجرد الزواج، تتصرف فيه كما تشاء[65]، وذلك لقوله تعالى:(وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً، فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً، فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئا)[66].

-الصيغة: وهي اللفظ الدال على طلب الزواج، ويسمى الإيجاب، ويكون من الزوج أو وكيله، ويكون بقوله: زوِّجْني ابنتك أو موكلتك فلانة، ولا يكفي هذا، بل لا بد من وجود القبول، وهو اللفظ الدال على قبول التزويج، ويكون من ولي الزوجة بلفظ: زوَّجْتُك ابنتي أو موكلتي[67].

-الشهود: لا ينعقد الزواج إلا بالبَيِّنة، وذلك بحضور شاهدين على الأقل[68]، وذلك حتى يتم إعلان الزواج، فلا يكون نكاح سر لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)[69]، وهذا حتى لا يضيع النسب، ولابد أن يتوفر في الشهود صفات قبول الشهادة، وهي: الإسلام، البلوغ، العقل، العدالة، سماع كلام المتعاقدين، وفهم مراد الزواج، وبهذا يتبين بأن عقد الزواج من العقود الشكلية.

موانع الزواج: أوجب الإسلام على كل من الزوجين أن يكون خاليا من الموانع الشرعية المؤبدة والمؤقتة[70]

الموانع المؤبدة:  

  وهي الموانع التي تجعل المرأة محرمة في جميع الأوقات، ولا تحل للرجل على سبيل التأبيد، وهي ثلاثة: القرابة، المصاهرة، والرضاع[71]، وقد ذكرها القرآن الكريم في قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ)[72]، وهن:

المحرمات بالقرابة، وهن: الأمهات-البنات-الأخوات-العمات-الخالات-بنات الأخ-بنات الأخت[73].

المحرمات بالمصاهرة، وهنّ:[74]

-       أصول الزوجة بمجرد العقد عليها.

-       فروعها إن حصل الدخول بها.

-       أرامل أو مطلقات أصول الزوج وإن علوا.

-       أرامل أو مطلقات فروع الزوج وإن نزلوا لقوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم)[75].

المحرمات بالرضاع، وهن:

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب[76]، فإذا حصل الرضاع للطفل، فإنه يصبح ولدا للمرضعة وزوجها وأخا لجميع أولادها، ويسرى التحريم عليه وعلى فروعه، وتثبت الحرمة بالرضاع الذي حصل قبل الفطام أو في الحولين، سواء كان اللبن قليلا أو كثيرا[77].

- الموانع المؤقتة:[78]

يحرم من النساء مؤقتا:

-       المحصنة.

-        المعتدة من طلاق أو وفاة.

-        المطلقة ثلاثا.

-       كما يحرم مؤقتا: الجمع بين الأختين، والمرأة وعمتها أو خالتها، سواء كانت شقيقة أو الأب أو الأم أو من رضاع، لقوله تعالى: (وأن تجمعوا بين الأختين)[79]، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن زواج المسلمة مع غير المسلم، وأن يجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، مصداقا لقوله تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّار، لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)[80].

حقوق وواجبات الزوجين[81]:

  الحقوق المشتركة بين الزوجين

يجب على الزوجين:

1-             المحافظة على الروابط الزوجية وواجبات الحياة المشتركة.

2-             المعاشرة بالمعروف وتبادل الاحترام والمودة والرحمة.

3-             التعاون على مصلحة الأسرة ورعاية الأولاد وحسن تربيتهم.

4-             التشاور في تسيير شؤون الأسرة وتباعد الولادات.

5-             حسن معاملة كل واحد منهما لأبوي الآخر وأقاربه واحترامهم وزيارتهم.

6-             المحافظة على روابط القرابة والتعامل مع الوالدين والأقربين بالحسنى والمعروف.

7-             زيارة كل منهما لأبويه وأقاربه واستضافتهم بالمعروف.

الحقوق الواجبة للزوجة على زوجها:

-       حقوق مالية: وهي المهر والنفقة.

-       حقوق غير مالية: مثل العدل بين الزوجات إن كان الزوج متزوجا بأكثر من واحدة، وعدم الإضرار بالزوجة، وحسن معاشرتها وصيانتها.

الحقوق الواجبة للزوج على زوجته:

-       حفظ زوجها في عرضه وماله حاضرا أو غائبا لقوله تعالى: (فالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[82]، والمرأة بهذا العمل تبلغ درجة الجهاد في سبيل الله تعالى، لما رواه ابن عباس أن امرأة جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم، (وهي أسماء بنت يزيد الأنصارية)، فقالت يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك: هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أجروا، وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون، ونحن معاشر النساء، نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أقْرِئِي النِّسَاءَ مِنِّي السَّلَامَ وَقُولِي لَهُنَّ: إِنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ تَعْدِلُ مَا هُنَالِكَ، وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ تَفْعَلُهُ)[83]، وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيّما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)[84].

إنحلال الزواج

 كما أن العقد كانت له أحكام عند إنشائه، فكذلك الأمر في حالة انهائه، فتنحل الرابطة الزوجية بالطلاق أو الخلع أو الفسخ أو التفريق القضائي أو الوفاة[85].

    والطلاق هو إنهاء رابطة الزواج بلفظ صريح يدل على الرغبة في حل الرابطة الزوجية، مثل أن يقول لزوجته أنت طالق، ويكون بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين، أو بطلب من الزوجة في حدود ما نص عليه الشرع في الخلع أو التفريق القضائي بين الزوجين[86]، فإن كان الطلاق تعسّفيا من الزوج، يحكم القاضي بالتعويض للمطلقة[87].

  وكما أن الإسلام جعل العصمة في يد الزوج، فإنه أعطى للمرأة الحق في أن تطلب إنهاء العلاقة الزوجية إذا توفرت أسباب منها[88]:

-       العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج.

-       الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر.

-       الغيبة بعد مرور سنة بدون عذر ولا نفقة.

-       ارتكاب فاحشة مبينة.

-       الشقاق المستمر بين الزوجين.

-       مخالفة الشروط المتفق عليها في العقد.

-       كل ضرر معتبر شرعا.

وأجاز الشرع للمرأة أن تخالع نفسها بمقابل مالي إذا لم تستطع العيش مع زوجها[89].

العدة

     مأخوذة من العدد والإحصاء، أي ما تحصيه المرأة وتعده من الأيام والأقراء[90]، وهي المدة التي تمكثها المرأة بعد وفاة زوجها أو فراقها له، فلا تتزوج حتى تنقضي، وتبتدئ العدة من يوم وجود سببها، ففي الوفاة من يوم وفاة الزوج، وفي الطلاق من يوم صدوره، وهي تختلف باختلاف أسبابها، وكذا أحوال النساء:

-       فالمرأة المدخول بها غير الحامل، عدتها ثلاثة قروء[91].

-       اليائس من المحيض: تعتد بثلاثة أشهر من تاريخ التصريح بالطلاق[92]، لقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوء)[93]، وقوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)[94].

-       المرأة المتوفى عنها زوجها: فإنها تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام[95] لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [96].

-       الحامل: عدتها هي وضع الحمل، وأقصاه عشرة أشهر من تاريخ الوفاة أو الطلاق[97]، لقوله تعالى: (وأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)[98].

 وقد أجمع العلماء على أن العدة واجبة على المرأة، لورود النصوص الشرعية من الكتاب والسنة بذلك، وقد شرعها الله تبارك وتعالى لحكم كثيرة نذكر منها:

-       براءة الرحم، لكيلا تختلط الأنساب.

-       تعظيم العلاقة الزوجية وتقديسها.

-       التروي والتأني في إنهاء الرابطة الزوجية في الطلاق إن كان رجعيّا، لقوله تعالى: (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)[99]، فتكون العدّة سبيلا لإعادة الأمور إلى نصابها بعد زوال حالة الغضب، وغيره.

الحضانة

  مأخوذة من الحضن، وهي رعاية الولد وتعليمه والقيام بتربيته على دين أبيه، والسهر على حمايته وحفظه صحة وخلقا[100]، ومن عظمة التشريع الإسلامي أنه راعى في هذا الجانب مصلحة الصغير المحضون الذي يحتاج إلى الحنان والعطف، فجعل الحضانة للأم قبل الأب، لأنها تشتمل على خصائص أنثوية لا توجد عند الرجال، كالحمل والإرضاع وزيادة في الصبر والتحمل والرعاية، فعن عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت:       يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء[101]، وحجري له حواء[102]، وثدي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت أحق به ما لم تتزوجي)[103]، وعلى هذا فالأم أولى بحضانة ولدها، ثم الأب ثم الجدة لأم، ثم الجدة لأب، ثم الخالة، ثم العمة، ثم الأقربون درجة[104].

النفقة

وهي من الإنفاق، ويقصد بها كفاية الزوجة ومن تجب النفقة عليه في كل ما يحتاجه من الطعام والمسكن والدواء، وكل ما تحتاجه لقوام الحياة من الضرورات في العرف والعادة[105]، وهي واجبة لقوله تعالى:(وعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا)[106].   

 وتجب النفقة للأصناف التالية:

أ‌-                 للزوجة على زوجها بالدخول بها.

ب‌-           للوالدين على أولادهم مما لم يكن لهم مال، وكذلك للأبناء الصغار على آباءهم، فتجب نفقة الأصول على الفروع، ونفة الفروع على الأصول، حسب القدرة والاحتياج ودرجة القرابة في الإرث لقوله تعالى:( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)[107].

 نظام الميراث

    نظم الإسلام تقسيم التركات، وهي ما يتركه الإنسان بعد موته من الأموال بمختلف أصنافها، سواء كانت عقارات أو منقولات أو نقودا، وذلك في نظام الميراث الذي نص عليه التشريع الإسلامي، ولا يوجد له مثيل في النظم القديمة ولا الحديثة، إذ أعطى لكل ذي حق حقه ومستحقه باعتبار القرابة، ومراعاة الفطرة البشرية، وقد جعل الإسلام لعلم الفرائض أو المواريث مكانة خاصة ومنزلة رفيعة، فقد اختص المولى تبارك وتعالى ببيانه وتفصيل أحكامه، وقد كانت ثلاث آيات لا تتجاوز ثلاث صفحات من القرآن الكريم، كافية لبسط أبواب الميراث، التي صنّف حولها العلماء مؤلفات ومجلدات، وسنّت منها الدول والحكومات عديد القوانين والتشريعات، ورغم قصرها، إلا أنها أحاطت بأصول الميراث وأركانه وشروطه ومقدار كل وارث، وحالاته، سواء بالفرض أو التعصيب، وغيرها من الأحكام، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لم يكل قسمة مواريثكم إلى نبيّ مرسل، ولا إلى ملك مقرّب، و لكن تولّى بيانها، فقسّمها أبينَ قسم)[108]، ولذلك فقد جاء التقسيم على أكمل وجوه التشريع، وأروع صور المساواة، وأفضل قواعد العدل، حيث لم يترك فيها شكوى لضعيف، أو منقصة لمظلوم، أو ثغرة في تشريع.

 والمتأمل في آيات الميراث، يجد أن الله تعالى افتتحها واختتمها بالوصية، في قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)[109]، وقوله تعالى: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ  حَلِيمٌ)[110]، وفي الآية الأخيرة، تم إسناد الأمر إلى الله تعالى، بقوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ)[111]، وفي هذا تتجلّى مقاصد الشريعة الجليلة، المتعلّقة بإظهار رحمة الله بعباده، فهو سبحانه وتعالى أرحم وأبر وأعدل من الوالد بأولاده، فهذا النظام، هو من إنشاء الخالق سبحانه وتعالى، وفي ذلك من موجبات التسليم والإذعان والقبول، ما يجعل المسلم يُقبل على تنفيذه، بإيمان صادق، وحب واثق، جاء في تفسير ابن كثير لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)[112]،(أنه سبحانه وتعالى أرحم بخلقه من الوالدة بولدها، حيث أوصى الوالدين بأولادهم، فعلم أنه أرحم بهم منهم).[113]

قال السهيلي[114]: نظرت فيما بيّنه الله تعالى في كتابه، من حلال وحرام، وحدود وأحكام، فلم أجده افتتح شيئا من ذلك بما افتتح به آية الفرائض، ولا ختم شيئا من ذلك بما ختمها به، فإنه قال في أولها:(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)[115]، فأخبر عن نفسه أنه موصي، تنبيها على حكمته فيما أوصى به، وعلى عدله ورحمته، وقال حين ختم الآية: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)[116]، فهذا التوزيع إنما صدر عن أحكم الحاكمين وأعدل العادلين، وبهذا يُرفع الجور والظلم الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، بالإعطاء والمنع وفق الأهواء الخرقاء.

  يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى:(آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا، فَرِيضَةً  مِنَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)[117]،(أي إنما فرضنا للآباء والأبناء، وساوَيْنا بين الكل في أصل الميراث، على خلاف ما كان عليه الأمر في الجاهلية، لأن الإنسان قد يأتيه النفع الدنيوي أو الأخروي أو هما من أبيه، ما لا يأتيه من ابنه، وقد يكون العكس، وما دام النفع متوقع ومرجو من هذا، كما هو متوقع ومرجو من الآخر، فلهذا فرضنا لهذا وهذا، وساوينا بين القسمين في أصل الميراث...إن هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث، وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض هو فرض من الله، حكم به وقضاه بمقتضى علمه وحكمته، بوضع الأشياء في محلها، وإعطاء كلا ما يستحقه بحسبه)[118]، يقول محمد علي الصابوني[119]: في هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن الله تبارك وتعالى، قد تولّى قسمة المواريث بنفسه، ولم يتركها لأحد من خلقه، لأن البشر مهما أرادوا أن يحققوا العدالة، فإنهم لن يبلغوها أو يصلوا إليها على الوجه الأكمل، ولن يستطيعوا أن يأتوا بمثل هذه القسمة العادلة، لأنهم يجهلون أمر الآباء والأبناء، ولا يعرفون أيهم أقرب لهم نفعا، أما الله جلّت قدرته، فهو الحكيم العليم الذي قسّم فعدل، وأعطى فأرضى، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[120].

وفي الآية الكريمة من تجلّيات الفقه المقاصدي، ما يدفع إلى تطييب النفس الإنسانية، وحملها على تقّبل هذه الفرائض والأحكام، فتستجيب للأمر الإلاهي دون تردد أو تلكؤ، روى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر، والأنثى، والأبوين، كرهها بعض الناس، وقالوا: تعطى المرأة الربع، والثمن، وتعطى الابنة النصف، ويعطى الغلام الصغير، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم، ولا يحوز الغنيمة، اسكتوا عن هذا الحديث، لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه، أو نقول له فيغيّره، فقال بعضهم يا رسول الله: أنعطي الجارية نصف ما ترك أبوها، وليست تركب الفرس، ولا تقاتل القوم، ونعطي الصبي الميراث، وليس يغني شيئا، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية لا يعطون الميراث إلا من قاتل، ويعطونه الأكبر فالأكبر)[121].

وفيها كذلك المقصد الشرعي المفضي إلى اليقين بأنها أحكام عادلة من حيث التشريع والتقسيم، لكونها صادرة عن الخالق سبحانه وتعالى، فهي لا تقبل التبديل والتغيير، يقول محمد مصطفى شلبي: (والمقصد من هذا الوعد والوعيد، وتسمية ذلك التقسيم بحدود الله، هو أن تلك الفرائض والتشريعات التي شرعها الله لتقسيم التركات وفق علمه وحكمته، لتنظيم العلاقات العائلية في الأسرة، والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع، ببيانه التفصيلي والقطعي في دلالته، لا يجوز تعديها ولا تجاوزها، فهي تشريعات أبدية لا تقبل التبديل ولا التغيير، وأن الله تعالى قد رضيها لعباده إلى يوم الدين)[122].

 والإسلام قد بنى الميراث على أساس القرابة، بما عليه الفطرة البشرية، في إعطاء الأقرب فالأقرب، وهؤلاء هم من كان الميت طول حياته حريصا على مصالحهم، وهذا هو السبيل الوحيد لمنع التقاتل والتشاحن عندما يستولي أو يستأثر واحد من لدن الآخرين بالمال، أو تحال التركة إلى خزينة الدولة، فتنمو الأحقاد والضغائن، ويوشك أن تعمّ الفوضى والاضطرابات بسبب ذلك، وقد اندفع كل ذلك بالتقسيم الذي جاء في الميراث، وهذا من أعظم المقاصد الشرعية التي حققها هذا النظام، يقول محمد أبو زهرة: (وإذ جعل الإسلام الميراث في دائرة الأسرة حسب درجة القرابة، فلأن منافعها متبادلة بين آحادها، فالقوي يحمي الضعيف، والغني يمد الفقير، ونفقة الفقير العاجز واجبة في مال قريبه الموسر، فكان ذلك التبادل سببا في جعل الأسرة خلفا للميت في ماله، وهذه بعض مقاصد التوارث بين الأقارب)[123].

والتوارث على أساس القرابة، تم فيه اعتبار مبدأ توزيع الثروة، فلا ينبغي الانفراد بالتركة من أي أحد، (ذلك أن من مقاصد الشارع في تقسيمه للميراث، هو اتجاهه إلى التوزيع دون التجميع، حيث لم يجعل وارثا ينفرد بالتركة إلا نادرا، فلم يجعل التركة مثلا للولد البكر دون سائر الأولاد، بل وزّعها كلّها بين عدد من الورثة، كاشتراك الأب، والأم، والزوجة والأولاد، في تركة مورثهم، وهكذا يستمر التوزيع في الأسرة دون أن ينفرد بالمال فرد أو صنف)[124].

لقد بنى التشريع الإسلامي توزيع التركات على أساس العدل بالنظر إلى الأعباء والالتزامات التي يتحملها كل فرد في المجتمع، ولم يكن للجنس أي اعتبار، فبقدر ما يُكلّف المرء بالواجبات المالية، يكون له الحق نظير ما التزم به، تطبيقا لقاعدة: (الغُنْم بالغُرْم)، وقد تساءل البعض عن مبررات التفضيل بين الذكر والأنثى، ووصل الأمر إلى المناداة بالمساواة التامة بين الجنسين في كل الحالات، وهذا خروج عن الفطرة التي فطر الله تعالى عليها الخليقة[125].

فالرجل يدفع المهر لزوجته، ويُكلّف بالنفقة، بمقتضياتها من المطعم والملبس والمسكن للوالدين وللزوجة والأولاد، في حين أن المرأة لا تُلزم بشيء من ذلك تجاه أحد، ولو كانت غنّية موسرة، بل إن كل ما ذُكِر آنفا من حاجاتها، قد ضُمِن لها في ذمّة أبيها أو أخيها أو زوجها أو ابنها أو من بقي من أقاربها،  وهنا تتجلّى مقاصد الشريعة بكل وضوح، في هذا الإنصاف الذي يقتضيه مقام الالتزام، إذ كلما زادت النفقات والالتزامات على الشخص، كان الأولى بأخذ الحظ الأوفر، ورغم كل هذا، فإن الإسلام قد أحاط المرأة بكل أنواع التكريم والتبجيل، وأعطاها من غير أن يلزمها بشيء، وكل دعوة للمساواة المطلقة بين الجنسين، إنما هي خروج عن نواميس الكون، ومضاهاة للخالق في خلقه.

 فكل مسائل الميراث إذن جاءت تراعي العدل بين الورثة باعتبار الغنم بالغرم، أي أن كل من له التزام تجاه الميت بتسديد ديونه، إن كان من الغارمين، فهو الأحق به، ولذلك كان للذكر ضعف الأنثى، وأما إذا تعلق الأمر بالجنس فالأب والأم، عند وجود الابن، كلاهما يأخذ السدس بالمساواة التامة، وكذا الإخوة والأخوات لأم، وهكذا، وأما ادعاءات بعض الغربين بأن نظام الميراث هضم حقوق المرأة، فقد تهاوت بالحجة والبرهان أمام منطق الأرقام، فقد حدّد الفقهاء أربعاً وثلاثين حالة من أحوال الميراث ترث فيها المرأة بنسب مختلفة:

‌-عشر حالات ترث المرأة مثل الرّجل.

-عشر حالات أخرى ترث المرأة فيها أكثر من الرّجل.

- عشر حالات تحجب المرأة فيها الرّجل وتأخذ الإرث كاملاً.

‌-أربع حالات فقط، وهي التي يكون فيها للذّكر مثل حظّ الأنثيين.

  ثم إن التقسيم الإلاهي للميراث، قد جاء متوافقا مع فطرة البشر التي جُبِلوا عليها، فالإنسان في حياته يُغدق من ماله على أبناءه أكثر مما ينفقه على والديه، ولذلك جاء حظ الأولاد أوفر من الآباء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى متطلّبات الحياة، التي تفرض تفضيل الفرع الوارث على الأصل، مراعاة لحاجة الأول المتزايدة للمال، بحكم رغبته في بناء حياته، في الوقت الذي يكون الثاني في مرحلة اضمحلال الأمل، وانتظار الأجل، قال الله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون)[126].

وإذا تأملنا في مقاصد الشريعة في موانع الميراث، نجد الآيات الباهرات، فالقتل العمدي الذي هو إزهاق روح إنسان معصوم الدم، قد جُعل مانعا للميراث، لكونه جريمة يستحق فاعلها العقاب، وحرمانه من التركة، مدعاة للمحافظة على الأنفس، وفيه حماية للحياة الإنسانية التي أمر الله تعالى أن تصان، إذ لولا هذا التشريع، لتنافس الناس في قتل مورّثيهم، استعجالا للشيء قبل أوانه، فتسود الفوضى، ويعم الخراب، ثم إن جرم القتل يهدم القرابة، وينقضها من أساسها، وهي التي تم على أساسها التقسيم في الميراث، لكونها وشيجة التواصل والتراحم والموالاة والمحبة، ولهذا جُعل التلبس بهذا الجرم، مانعا لصاحبه من الميراث، للمحافظة على هذه المودة بين الأرحام، وهكذا تتجلى مقاصد الشريعة في هذه الأحكام.

  ولا يمكننا حصر مقاصد الشريعة في المواريث ولا عديد الأبواب التي تناولها الفقهاء في هذا الشأن، وبالتالي سوف نقتصر على بعض المسائل في هذا النظام البديع:

أسباب الميراث:

 القرابة.

الزوجية[127].

شروط الميراث:

- موت المورث[128].

        - حياة الوارث.

            - علم الجهة بينهما (القرابة، النسب).

موانع الميراث:  

    - القتل العمدي من المورث:

    - عدم الاستهلال أي عند خروج المولود ميتا.

    - الشك في السابق عند الموت بين الوارث والمورث.

    - اللعان.

    - الردة[129].

أصناف الورثة:[130]

ينقسم الورثة إلى ثلاثة أصناف:

-       أصحاب الفروض.

-       العصبة.

-       ذوي الأرحام.

الوارثون من الرجال:[131]

- الأب والجد وإن علا.

- الابن وابن الابن مهما نزل.

- الأخ من أي الجهات: الأخ الشقيق، الأخ لأب، الأخ لأم.

- الزوج.

الوارثات من النساء:[132]

- البنت.

- بنت الابن.

- الأم.

- الزوجة.

- الجدة لأب، الجدة لام.            

- الأخت من أي الجهات: الأخت الشقيقة، الأخت لأب، الأخت لأم.

الفروض المقدرة في الميراث هي:[133]

-       النصف-الربع-الثمن-الثلثان-الثلث-السدس.

الوارثون للنصف:[134]

-       الزوج: عند انعدام الفرع الوارث.

-       البنت: عند أفرادها وانعدام الفرع الوارث بدرجتها.

-       بنت الابن: عند انفرادها وانعدام البنت والابن وابن الابن.

-       الأخت الشقيقة: عند إفرادها وانعدام الفرع والأصل والأخ الشقيق

-       الأخت لأب: عند انفرادها وانعدام الفرع والأصل والأخ لأب الأخت الشقيقة.

الوارثون للربع:[135]

-       الزوج عند وجود الفرع الوارث.

-       الزوجة أو الزوجات ولو كان عددهن أربع، عند انعدام الفرع الوارث.

الوارثون للثمن:[136]

الزوجة أو الزوجات عند وجود الفرع الوارث.

الوارثون للثلثين:[137]

-       البنت: عند التعدد وانعدام الابن.

-       الأخت الشقيقة: عند التعدد وانعدام الفرع والأصل   والأخ الشقيق.

-       بنت الابن: عند التعدد وانعدام البنت والابن وابن الابن.

-       الأخت لأب: عند التعدد وانعدام الفرع والأصل والشقيقة والأخ لأب.

الوارثون للثلث:[138]

-       الأم: عند عدم وجود الفرع الوارث وعدم وجود عدد من الإخوة سواء أشقاء أو الأب أو الأم.

-       الإخوة لأم: عند التعدد وانعدام الفرع والأصل.

-       الجد مع الإخوة: عند الانفراد معهم وكان هو الأحض له.

الوارثون للسدس:[139]

-       الأب: عند وجود الفرع الوارث.

-       الأم: عند وجود الفرع الوارث، أو وجود عدد من الإخوة.

-       الجد: عند انعدام الأب ووجود الفرع الوارث.

-       الجدة: عند انعدام الأم إن كانت لأم وانعدام الأب إن كانت لأب.

-       بنت الابن: ولو تعددت عند وجودها مع البنت وانعدام ابن الابن.

-       الأخت لأب: ولو تعددت عند وجودها مع الأخت الشقيقة وانعدام الفرع الأصل والأخ لأب.

-       الأخ لأم: عند الانفراد وانعدام الفرع والأصل.

نظام القضاء

   كان العرب قبل مجيء الإسلام يعتمدون في حل  منازعاتهم على ما يحكم به العرافون والكهان، وما تأتي به القرعة والأقداح، متوارثين ذلك من الأعراف والتقاليد التي وجدوها عند آبائهم، كما أنهم اشتهروا بنصرة المظلوم، وأقاموا على ذلك معاهدات وأحلافا في ما بينهم، مثلما حدث في حلف الفضول الذي شهده النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وشارك فيه، روى أحمد في مسنده أن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: ( لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الإِسْلامِ لأَجَبْتُ)[140]‏‏‏.‏‏‏

   وعندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلى المدينة المنورة أسس نظام القضاء، وفق النظم الإسلامية التي أقام عليها دولة الإسلام، فقد أشرف بنفسه صلى الله عليه وسلم على الفصل في المنازعات بين المسلمين، وغيرهم من الأقليات المكونة للدولة، معتمدا على الوحي المنزّل عليه من الكتاب والسنة، وكان حكمه ملزما للجميع، وباتساع الدولة الإسلامية، أرسل بعض أصابه إلى الأمصار، مثل معاذ بن جبل الذي بعثه إلى اليمن، وغيره من الصحابة ممن وجّههم إلى القبائل والمناطق البعيدة، فكانوا بالإضافة إلى تعليم الناس أمر الدين، يفصلون في خصوماتهم.

   وتطور نظام القضاء في عهد الخلفاء ومن بعدهم، وكانت النظم الذي جاء بها الإسلام في مجال القضاء نقلة نوعية في تاريخ البشرية، ومنه استمدت معظم النظم القضائية اليوم قوانينها ومبادئها.

تعريف القضاء

   التعريف اللغوي: القضاء: جمع أقضية، وقضى يقضي قضاء أي حكم وهو لفظ مشترك يجمع بين معاني كثيرة:

    - فيأتي بمعنى الإحكام والإمضاء، ومنه قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ..)[141].

 - ويكون بمعنى الفراغ من الشيء، فيقال: قضى حاجته، ومنه قوله تعالى:(فَلَمَّا قَضَى موسَى الأَجَلَ)[142]، وقوله تعالى:(فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا)[143].

    - ويدل على معنى الإلزام، وذلك كما في قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ)[144].

   - ويدل على معنى الأداء والإنهاء، ومنه قولهم: قضى دينه، وكذلك قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ)[145].

  - ويرد بمعنى الحكم وهو المنع، ومن ذلك قولهم: حكم على السفيه، إذا أخذ على يديه ومنعه من التصرف[146]، ومن هذا المعنى سُمّي الحاكم حاكما، وذلك لكونه يمنع الظالم من ظلمه، فيقال:(حكم الحاكم، أي وضع الحق في أهله، ومنع من ليس له أهلا، كما سمي القضاء حكما لما فيه من الحكمة التي توجب وضع الشيء في محله)[147].

التعريف الاصطلاحي:

ذكر الفقهاء للقضاء تعريفات كثيرة كلها تجتمع في معنى واحد، وبالتالي اخترنا أيسرها.

 عرفه ابن رشد بقوله: هو الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام[148].

مشروعية القضاء:

  من الكتاب الكريم:

     لقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تشير إلى القضاء، وتبيّن مكانته في الدين، وتجعل الغاية الأساسية من إنزال الكتب وإرسال الأنبياء، إنما هي الحكم بين العباد بالعدل، وقد أشارت الآيات القرآنية إلى أن الأنبياء قد فرض عليهم أن يقيموا القسط بين الناس، وذلك في آيات كثيرة ومتعددة نذكر منها:

-        قال الله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، إِنَّ الّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ)[149].

-        قال الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)[150].

   فالآية الأولى: تنص على أن خلافة الأرض، إنما هي بإقامة العدل بين الناس، ولذلك أمر الله تعالى نبيه داود عليه الصلاة والسلام بأن يحكم بالقسط، ما دام قد مكّنه الله تعالى في الأرض، فصار حاكما.

    والآية الثانية: تشير إلى أن الله تعالى أرسل رسله إلى الناس بهدف إقامة الحق والعدل، وهو بذلك يجعل الحكم بين الناس والفصل في الخصومات، إنما هو من المهمات الواجبة التي كلّف بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

 من السنة:

     لقد ثبت في السنة النبوية بمختلف أقسامها القولية والفعلية والتقريرية آثار كثيرة وروايات متعددة كلها تشير إلى القضاء، من خلال الأحاديث الصحيحة الصريحة، وكذلك الأفعال التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم في مجال توليه للقضاء بنفسه، أو تعيينه للقضاة، ومن خلال إقرار الأحكام التي أصدرها الصحابة في حالة توليهم للقضاء، ويمكننا أن نشير إلى بعض هذه الأحاديث:

- عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ َأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، فإِذَا حَكَمَ واجْتَهَدَ، ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)[151].

- قضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحضانة، عندما جاءته امرأة طلقها زوجها، وأراد أن ينتزع منها ولدها فقالت: يا رسول الله، كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، طلقني أبوه، وأراد أن ينتزعه مني فقال عليه الصلاة والسلام: (أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لم تَتَزَوَّجِي)[152].

- أرسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عددا من الصحابة قضاة إلى الأمصار.

من الإجماع:

     أجمع المسلمون على مشروعية القضاء، ولم يخالف أحد في ذلك، فقد بيّنه الصحابة رضوان الله عليهم، واهتموا به، وتولاه كثير منهم، وطلبوه من غيرهم، وعيّن الخلفاء الراشدون ومن بعدهم القضاة في حاضرة الدولة الإسلامية، وفي جميع الأقطار والأمصار التي كانت تحت راية الإسلام.

    وعندما أصبح أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة للمسلمين، كلف عمر بن الخطاب بالقضاء، وقال له اقض بين الناس، فإني مشغول بأمور الخلافة.

  ولما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة عيّن القضاة على البلدان والأقاليم، فعيّن أبا موسى الأشعري قاضيا على البصرة والكوفة، وبعده عيّن شريح بن الحارث الكندي قاضيا على الكوفة.

حكم القضاء:

   بالنسبة للأمة:

     اتفق العلماء على أن القضاء فرض على الأمة، لأن الله تعالى أوجبه على جماعة المسلمين على سبيل الحتم والإلزام، حيث أنه رتّب الثواب الجزيل على القيام به، لأنه من الفرائض الأساسية لقيام الدين، وبالمقابل أوجب العقاب الشديد على كل من تركه أو تهاون في الأخذ به، لأن الشرائع والحدود لا تقوم، والحقوق لا تحفظ، ولا تتحقق مصالح العباد إلا بوجود القضاء.

    ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالته التي بعث بها إلى أبي موسى الأشعري: (القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة)[153].

    بالنسبة للحاكم:

    اتفق العلماء على أنّ القضاء إنما هو فرض عين في حق الحاكم، لأنه هو المكلف الأول بهذا الواجب بحكم كونه مسئولا عن شؤون المسلمين في الدين والدنيا.

    ومن هنا وجب على الحاكم أن يقوم بتعيين القضاة، لأن القضاء هو أبرز مظاهر السلطة، ولا يجوز له أن يتخلى عن هذا الواجب، ويضاف إلى هذا أنه ملزم بتوجيه كل أجهزة الحكم لمساعدة القضاء، ومدّ يد العون للقضاة في كل ما يحتاجونه في مجال تطبيق الأحكام وتنفيذها، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى:(لا بد للناس من قاض، أتذهب حقوق الناس؟)[154].

بالنسبة للأفراد:

لقد سبق البيان بأن القضاء فرض كفاية على الأمة، فإذا قام به البعض سقط عن الآخرين، وإذا تخلوا كلهم أثموا جميعا.

    أما بالنسبة للأفراد فإن القضاء تعتريه الأحكام الشرعية الخمسة، من الإيجاب، والندب، والكراهة، والتحريم،    والإباحة[155].

الوجوب:

    إذا كان الفرد أهلا للقضاء، بحيث توافرت فيه الشروط اللازمة لتولي هذا المنصب، وكان وحيدا دون منافس، فإنه يتعين عليه القضاء، ويكون في حقه فرضا عينيا.

 

الندب:

   إذا كان هناك مجموعة من الأفراد تتوافر فيهم جميعا شروط القضاء، إلا أن بعضهم أكفأ من بعض، فإن القضاء يكون مستحبّا في حق من كان أكفأ وأصلح من غيره وأقدر على مهمة القضاء.

الكراهة:

   وهي حالة وجود عدد من الأشخاص تتوافر فيهم جميعا شروط القضاء، إلا أن بعضهم أصلح للقضاء من غيره، ففي هذه الحالة، يكره لمن كان أقل في الصلاح والكفاءة أن يتقدم على من هو أصلح منه وأكفأ.

 التحريم:

    إذا كان الإنسان لا يتوفر على شروط تولي القضاء، فإنه يحرم عليه أن يتولى هذا المنصب.

 الإباحة:

     إذا كان هناك مجموعة من الأشخاص تتوافر فيهم شروط القضاء، ولا نستطيع تمييز أحد على آخر في الصلاح والكفاءة، فإن حكم القضاء في حقهم يكون مباحا، فيجوز تولي أي أحد منهم لهذا المنصب على سبيل التخيير.

 

أهمية القضاء:

     للقضاء أهمية بالغة في حياة الأمة، فهو ضمان بقائها وشرط وجودها، وبه تتحقق المقاصد الأساسية التي جاء من أجلها الدين، وقد سبق البيان في مشروعيته ما ورد من آيات قرآنية وأحاديث نبوية تشير إلى أنه من الوظائف الأساسية للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنه من الغايات الجوهرية التي من أجلها أنزل الله الكتب، وبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام، وسوف نتعرض فيما يلي لبعض النصوص الشرعية التي تؤكد أهمية القضاء، ومنزلة القضاة عند الله تعالى.

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عيه وسلم:(لَيَوْمٌ وَاحِدٌ مِنْ أَيَّامِ إِمَامٍ عَادِلٍ أَفْضَلُ أَوْ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِينَ سَنَةً)[156].

-عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(قال سبعة يظلهم الله يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل)[157].

- روى وكيع ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ مَعَ الْقَاضِي، مَالَمْ يَجُرْ)[158].

    ومن خلال ما مر من الأحاديث يتبين لنا جليا أن القضاء له أهمية كبرى في الإسلام.

 فالقضاء هو الوسيلة الوحيدة التي يتحقق بها العدل الذي هو أساس الملك واستقامة أحوال العباد، يقول الماوردي: (عدل شامل يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطاعة، وتتعمّر به البلاد، وتنمو به الأصول، ويكثر معه النسل، ويأمن به السلطان، فقد قال المَرْزُبان لعمر، حين رآه قد نام متبذلا: عدلتَ، فأمِنتَ، فنِمتَ، وليس شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور، لأنه ليس يقف على حدّ، ولا ينتهي إلى غاية، ولكل جزء منه قسط من الفساد حتى يستكمل)[159].

    وقد وجد القضاء للحفاظ على حقوق الآخرين، ومنع الاعتداء عليها، وتأمين الحماية لها، وذلك بتحقيق العدل، وإقامة القسط، والمحافظة على الأنفس والأموال، وإقامة الحدود.

والواضح أن من أكبر مقاصد الشريعة، حفظ نظام الأمة، وليس يحفظ نظامها إلا بسد ثلمات الهرج والفتن والاعتداء، ولا يكون هذا إلا بإقامة القضاء[160].

   يقول ابن عاشور: (أنبأنا استقراء الشريعة من أقوالها وتصرفاتها، بأن مقصدها أن يكون للأمة ولاة يسوسون مصالحها، ويقيمون العدل فيها وينفذون أحكام الشريعة بينها، ...وإلا لم يحصل تمام المقصود من تشريعها)[161].

لقد حرص الإسلام على تحقيق العدل ورفع الظلم، فأقام نظام القضاء في الإسلام على مبادئ وضوابط، تجعله يؤدي وظيفته على أكمل وجه، ويتعلق الأمر بتعيين القاضي، والشروط الواجب توافرها فيمن يتولى هذا المنصب.

وإذا أردنا تقصّي نصوص الشرع في هذا الأمر، فإننا نجد أن التشريع الإسلامي، أوجب على ولي الأمر أن يختار الأصلح لهذه المهمّة، وهو من توفرت فيه القوة والأمانة، لقوله تعالى: (إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)[162]، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ولي من أمر المسلمين شيئا، فأمّر أحدا محاباة، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا، ولا عدلا، حتى يدخله جهنم)[163]، وقوله أيضا: (من استعمل رجلا على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين)[164]، يقول ابن تيمية: (يجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده، من أهل الصدق والعدل، ولا يولي أحداً، لأنه طلب الولاية، أو لأنه من قرابته، أو أنه تربطه به صداقة، أو أنه من أهل بلده، أو مذهبه، ويجب أن لا تمنعه عداوة من يستحق التولية من توليته، وفي إسناد الولاية إلى غير أهلها فيه تضييع للأمانة، وخيانة لله ورسوله والمؤمنين)[165]، وبهذا يتبين لنا أن تولية الأصلح، من مقاصد الشريعة، لأنه الأقدر على الوفاء بأعباء المسؤولية، المنوطة بحقن الدماء، وصيانة الأعراض، حفظ الأموال.

وبالنظر إلى كتب الفقهاء، نجد أن شروط تقلّد منصب القضاء، قد نال توسّعا فقهيا، بإثراء عديد الصفات والخصال الواجب توافرها في القاضي، حتى أوصلها الحنابلة إلى عشرة، وجعلها الشافعية ثمانية، وألحقها الحنفية بشروط الشهادة، وأما المالكية فقد اتخذوا في تصنيف هذه الشروط منهجا مختلفا، بتقسيمها إلى مجموعات وأقسام، وقد اتحدت الأقوال الفقهية في مجموعها على اعتبار ركيزتين أساسيتين هما: التشريع السماوي، واجتهاد الفقهاء، وهذا من أوضح مقاصد الشريعة الإسلامية في نطام القضاء، مما يجعلها مرهوبة الجانب، نافذة أحكامها، لا يعتريها عيب، ولا يشوبها نقصان، قال الله تعالى: (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[166]، فبالوحي السماوي، والصفات المطلوبة في القاضي، يتم إيصال الحقوق وتمكينها إلى أصحابها، وهذا من أجلّ مقاصد الشريعة، لأن الدافع الأول لأسباب النزاع، واستمراره، هو بقاء الحقوق في أيدي غير المستحقين لها، والغاصبين لها .

   وقد تحقق هذا في ظل التاريخ الإسلامي، حتى أصبح القضاة مضرب المثل في تاريخ الأمم والشعوب في إتباع الحق والانصياع له، حتى على النفس، كما حدث في قصة المخزومية التي سرقت، وسعى بعض الصحابة للشفاعة لها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)[167].

وهذا تنفيذا لقوله تعالى: (يَا أَيُهَا الذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ، شُهَدَاءَ لِلهِ، وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوْ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ، إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا، وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)[168]، وقوله تعالى:(وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَينَهُمْ بِالْقِسْطِ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الـمُقْسِطِينَ)[169].

     ومما سبق ذكره يتبين لنا بأن للقضاء أهمية بالغة في الإسلام، وفي حياة الأمة.  

 مكانة القاضي

     إن وظيفة القضاء تعتبر من أعظم الوظائف التي عظّمها الإسلام، ورفع قدرها، وجعلها من أحسن الأعمال وأجلّها عند الله تعالى، فالقاضي يلبس ثوب الإجلال، ويحاط بالاحترام والهيبة حيثما حلّ أو ارتحل، وقد كان القضاة يدركون هذه المنزلة المتميزة، فاجتهدوا في تحرّي النزاهة والورع والحكم بالعدل، وقد حفظ التاريخ نماذج فذة من القضاة، الذين أثبتوا سُمُوّ مراكزهم، ونزاهة عملهم، فكسبوا محبة الناس وتقديرهم، حتى وصل الأمر إلى أن أصبح الأمراء والملوك والولاة يخافون من القضاة، ولا يقدمون على عزلهم بسبب ارتباط الناس بهم، وحبّهم لهم.

     فقد اشتهر عمر بن الخطاب رضي الله عنه برعاية القضاء، وتنظيم شروطه، وبيان أهميته، وخاصة بعد أن فصل منصب القضاء عن منصب الولاة والحكام، وقد جاء كتابه إلى أبي موسى الأشعري ليكون بيانا شافيا ودستورا للقضاء، واعتمد عليه جميع الأئمة والفقهاء، ونظرا لما جاء فيه من العلم والفقه والتفصيل الدقيق، للشروط الواجب توفرها في القاضي، فإننا نثبت نصبه كاملا، وقد جاء فيه:

  بسم الله الرحمان الرحيم أما بعد:

    (فإن القضاء فريضة محكمة وسنّة متّبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلّم بحق لا نفاذ له.

آسِ الناس في مجلسك، وفي وجهك وقضاءك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف في عدلك.

  البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا.

     ومن ادّعى حقّا غائبا، أو بيّنة، فاضرب له أمدا ينتهي إليه، فإن بيّنه أعطيته بحقه، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية، فإن ذلك هو أبلغ في العذر، وأجلى للعلماء.

    ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم، فراجعت فيه رأيك، فهديت فيه لرشدك، أن تراجع الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق، خير من التمادي في الباطل.

     والمسلمون عدول، بعضهم على بعض، إلا مُجرّبا عليه شهادة زور، أو مجلودا في حدّ، أو ظنيّنا في ولاء أو قرابة، فإن الله عز وجل تولّى من العباد السرائر، وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان.

     ثم الفهم فيما أدلي إليك، مما ورد عليك مما ليس في كتاب أو سنة، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال ثم اعمد فيما ترى إلى أحبّها إلى الله تعالى، وأشبهها بالحق.

    وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس، والنّكر عند الخصومة، فإن القضاء في مواطن الحق مما أوجب الله به الأجر، ويحسن به الذكر، فمن خلصت نيّته في الحق، ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزّين بما ليس في نفسه شانه الله، فإن الله تعالى لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصا له، فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه، وخزائن رحمته.

 والسلام عليكم ورحمة الله)[170].

      وقال فيه ابن خلدون:(الكتاب المشهور الذي تدور فيه أحكام القضاء، وهي مستوفاة في كتاب عمر لأبي موسى الأشعري).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة:

   بعد دراسة تاريخ النظم القانونية والإسلامية يمكننا القول بأن البشرية منذ نشأتها إلى اليوم قد مرت بمراحل خلال الأزمنة  المختلفة، جعلت حياة الإنسان تنتقل من وضع إلى آخر، بسبب الاجتهاد في الارتقاء بمستوى المعيشة وتحقيق الرفاهية، وقد أفنيت أعمار وزالت أمم  وحضارات، عن طريق الكدّ، وشتى ضروب الكسب، بما فيها الحروب والنزاعات، كل ذلك من أجل إعمار الأرض، وتسخير ما فيها، وإحراز المنافع والمكاسب وفق الغريزة الفطرية التي جُبِل عليها الإنسان، ولا يخفى أن السعي الحثيث لتحقيق هذه المآرب، نتج عنه التصادم والاقتتال، في إطار سنة التدافع الكونية، مما فرض وجود أنظمة تضبط العلاقات البشرية لدى الأفراد في ما بينهم، وكذا علاقات الشعوب والدول، وهو ما عرف بالنظم القانونية، وقد تجلّى الجهد في مثل هذه الدراسات في إبراز المدونات التي كتب لها أن تبقى شاهدة على مدى نجاح واضعيها في تسيير شؤون شعوبهم، وكانت في ما بعد، قواعد ومنطلقات، لمن جاء من بعدهم .

 

 

 

 

 قائمة المصادر والمراجع

1- القرآن الكريم

2-  أحمد أبو الوفاء، تاريخ النظم القانونية وتطورها، بيروت 1984م.

3-  ابن عاشور(محمد الطاهر)، مقاصد الشريعة الإسلامية، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985م.

4-  صالح فركوس، تاريخ النظم القانونية والإسلامية، دار العلوم للنشر والتوزيع، 2001.

5-  الدسوقي، محمد بن أحمد بن عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير، المطبعة الكبرى الأميرية ط3، بولاق، القاهرة.

6-  ابن أبي الدم، شهاب الدين إبراهيم بن عبد الله، أدب القضاء، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987.

7-  ابن قدامة، عبد الله محمد بن أحمد بن محمود، موفق الدين، المغني، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1983.

8-  أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري المعروف بالماوردي، أدب الدنيا والدين، ط1، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1988.

9-  برهان الدين إبراهيم بن محمد ابن فرحون المالكي، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1986.

10-                   حمد علي الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير، ط2، دار القرآن الكريم، بألمانيا الغربية، 1312هـ.
محمد محدة، التركات والمواريث، ط7، مطابع عمار قرفي، باتنة، 1994م، ص9-10.

11-                   محمد علي الصابوني، المواريث في الشريعة الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة، دار رحاب للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، د.ت. ص25-26.

12-                    محمد أبو زهرة، في المجتمع الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة، د.ت.

13-                   تفسير الطبري (الإمام ابي جعفر محمد بن جرير)، م3، الجزء 4، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1398هـ-1978م

14-                    محمد مصطفى شلبي، أحكام المواريث بين الفقه والقانون، دار النهضة العربية. بيروت 1978م.

15-                   محمد بن خلف بن حيان المعروف بوكيع، أخبار القضاة، عالم الكتب بيروت، د.ت.

16-        فرح القوسي: المدخل لدراسة النظم الإسلامية، دراسة علمية محكمة 2005م.

17-       مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، القاموس المحيط، دار العلم للجميع، بيروت، لبنان، د.ت)4/378 مادة قضى

18-       صوفي أبو طالب، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، دار النهضة العربية 1976.

19-        عبد الناصر توفيق العطار، الوجيز في تاريخ القانون، مطبعة السعادة، القاهرة، 1970.

20-       عمر ممدوح، أصول تاريخ القانون، د.ت.، القاهرة.

21-        عبد المنعم البدراوي، التطور التاريخي للقانون عبر المؤسسات والأحداث الاجتماعية، ط1، مطبعة النجاح الدار البيضاء، 1980.

22-        عبد الغني بسيوني، عبد الله، ود، علي عبد القادر القهوجي، تاريخ النظم الاجتماعية والقانونية، الدار الجامعية.

23-        دليلة فركوس، تاريخ النظم، النظم القديمة، الجزء الأول، أطلس النشر، الجزائر، 1993 م.

24-         شفيق الجراح، دراسات في تاريخ الحقوق والمؤسسات الحقوقية من بابل، المطبعة الجديدة، دمشق، 1977-1978.

25-        فتحي الدريني، خصائص التشريع الإسلامي في التشريع والحكم، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1434 هـ / 2013 م.

 

 

فهرس الموضوعات

مقدمة.......................................................................................03

الفصل الأول: النظم القانونية ..................................................................07 

المبحث الأول: نظرة تاريخية حول نشأة النظم القانونية وأهميتها.....................................07

التعريف بالنظم القانونية: .....................................................................07

نشأة النظم القانونية:..........................................................................07

مرحلة الانتقام الفردي ........................................................................08

مرحلة التقاليد الدينية .........................................................................08

مرحلة التقاليد العرفية .........................................................................09

مرحلة التدوين................................................................................09

أسباب التدوين...............................................................................10

عوامل نشأة النظم القانونية.....................................................................11

أهمية دراسة تاريخ النظم القانونية................................................................12

تعريف القانون................................................................................14

المبحث الثاني: النظم القانونية في بلاد الرافدين:..................................................15

قانون " أورنامو" (2080ق.م)................................................................16

قانون " لبيت عشتر " (1870ق.م):..........................................................16

قانون حمورابي:...............................................................................16

أهم المميزات لقانون حمورابي:...................................................................22

المبحث الثالث: النظم القانونية في مصر الفرعونية................................................24

قانون بوخوريس ..............................................................................26

قانون أمازيس ...............................................................................27

قانون حرب حب ............................................................................28

المبحث الرابع: النظم القانونية عند اليونان.......................................................30

قانون ليكرجس:..............................................................................30

قانون داراكون................................................................................31

قانون صولون................................................................................32

المبحث الخامس: النظم القانونية عند الرومان ....................................................35

قانون الألواح الاثنا عشر.......................................................................35

قانون تيودور ................................................................................39

قانون جوستيان...............................................................................40

مميزات المدونات القديمة........................................................................41

الفصل الثاني: النظم الإسلامية.................................................................42

تمهيد .......................................................................................43

المبحث الأول تعريف ونشأة وأنواع النظم الإسلامية ..............................................44

التعريف بالنظم الإسلامية .....................................................................44

نشأة النظم الإسلامية.........................................................................45

أنواع النظم الإسلامية .........................................................................45

المبحث الثاني خصائص النظم الإسلامية........................................................47

المبحث الثالث  نماذج من النظم الإسلامية ......................................................51

نظام الأسرة..................................................................................52

أركان الزواج..................................................................................52

موانع الزواج..................................................................................58

الموانع المؤبدة.................................................................................58

- الموانع المؤقتة...............................................................................59

حقوق وواجبات الزوجين......................................................................60

الحقوق المشتركة بين الزوجين...................................................................60

الحقوق الواجبة للزوجة على زوجها..............................................................61

الحقوق الواجبة للزوج على زوجته...............................................................61

انحلال الزواج.................................................................................62

العدة........................................................................................63

الحضانة......................................................................................65

النفقة.......................................................................................66

نظام الميراث..................................................................................67

أسباب الميراث...............................................................................75

شروط الميراث................................................................................75

موانع الميراث.................................................................................76

أصناف الورثة................................................................................76

الوارثون من الرجال............................................................................77

الوارثات من النساء...........................................................................77

الفروض المقدرة في الميرث......................................................................77

الوارثون للنصف..............................................................................77

الوارثون للربع.................................................................................77

الوارثون للثمن ...............................................................................77

الوارثون للثلثين...............................................................................77

الوارثون للثلث................................................................................79

الوارثون للسدس..............................................................................79

نظام القضاء.................................................................................80

تعريف القضاء ...............................................................................81

التعريف اللغوي ..............................................................................81

التعريف الاصطلاحي.........................................................................82

مشروعية القضاء .............................................................................83

 من الكتاب الكريم ..........................................................................83

من السنة....................................................................................84

من الإجماع..................................................................................85

حكم القضاء.................................................................................86

بالنسبة للأمة.................................................................................86

بالنسبة للحاكم...............................................................................86

بالنسبة للأفراد................................................................................87

أهمية القضاء: ...............................................................................89

مكانة القاضي................................................................................93

خاتمة .......................................................................................97

قائمة المصادر والمراجع.........................................................................98

فهرس الموضوعات ..........................................................................101

 

 

 

 



[1]   - سورة يوسف الآية 76.

[2]   - سورة الكافرون الآية 6.

[3]  - سورة الأنفال الآية 39.

[4]  - سورة الشورى الآية 13.

[5] - سورة الفاتحة الآية 3.

[6]   - عبد الناصر توفيق العطار، الوجيز في تاريخ القانون، مطبعة السعادة، القاهرة، 1970 ص103.

[7] - صوفي أبو طالب، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، دار النهضة العربية 1976، ص22.

[8]  - صوفي أبو طالب، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، مرجع سابق، ص22.

 

[9] - عبد الناصر توفيق العطار، الوجيز في تاريخ القانون، مرجع سابق، ص9.

 

[10] - أحمد أبو الوفاء، تاريخ النظم القانونية وتطورها، بيروت 1984 ص7.

[11] - أحمد أبو الوفاء، تاريخ النظم القانونية وتطورها، مرجع سابق، ص7.

 

[12] -  صالح فركوس، تاريخ النظم القانونية والإسلامية، دار العلوم للنشر والتوزيع، 2001، ص15.

[13] - عمر ممدوح، أصول تاريخ القانون، القاهرة، د.ت.، ص 75.

 

[14]  - شفيق الجراح، دراسات في تاريخ الحقوق والمؤسسات الحقوقية من بابل، المطبعة الجديدة، دمشق، 1977-1978، ص65.

 

[15] - شفيق الجراح، دراسات في تاريخ الحقوق والمؤسسات الحقوقية من بابل، مرجع سابق، ص72.

[16] - شفيق الجراح، دراسات في تاريخ الحقوق والمؤسسات الحقوقية من بابل، المرجع نفسه، ص91.

 

[17] - صوفي أبو طالب، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، مرجع سابق، ص443.

[18] - صوفي أبو طالب، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، المرجع نفسه، ص437.

[19] - عبد المنعم البدراوي، التطور التاريخي للقانون عبر المؤسسات والأحداث الاجتماعية، ط1، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، وجدة 1980م، ص11.10.

 

[20] - دليلة فركوس، تاريخ النظم، النظم القديمة، الجزء الأول، أطلس النشر، الجزائر، 1993 م، ص241.

[21] - دليلة فركوس، تاريخ النظم، النظم القديمة، الجزء الأول، مرجع سابق، ص11.

[22] - دليلة فركوس، تاريخ النظم، النظم القديمة، الجزء الأول، مرجع سابق، ص117.

[23] - عبد الغني بسيوني، عبد الله وعلي عبد القادر القهوجي، تاريخ النظم الاجتماعية والقانونية، مرجع سابق، ص 137-138.

[24] - عبد الغني بسيوني وعلي عبد القادر القهوجي، تاريخ النظم الاجتماعية والقانونية، مرجع سابق، ص 139.

 

[25]  - صالح فركوس، تاريخ النظم القانونية والإسلامية، مرجع سابق ص27.

 

[26] - صالح فركوس، النظم القانونية والإسلامية، مرجع سابق، ص30.

 

[27]  - صالح فركوس، النظم القانونية والإسلامية، مرجع سابق، ص 32.

[28] - أحمد أبو الوفاء، تاريخ النظم القانونية، مرجع سابق، ص104.

 

[29]  - صالح فركوس، النظم القانونية والإسلامية، مرجع سابق، ص 37.

[30] - عبد المنعم إبراهيم البدراوي، التطور التاريخي للقانون عبر المؤسسات والأحداث الاجتماعية، مرجع سابق، ص74-75.

 

[31]  -  د. مفرح القوسي: المدخل لدراسة النظم الإسلامية، دراسة علمية محكّمة، 2005 م.

[32]  - سورة المائدة، الآية 3.

[33] - د. مفرح القوسي: مدخل لدراسة النظم الإسلامية، دراسة علمية محكمة، 2005 م، مرجع سابق.

[34]  - انظر: فتحي الدريني، خصائص التشريع الإسلامي في التشريع والحكم، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1434 هـ / 2013 م.


 

[35]  - سورة الأحزاب، الآية 21.

[36]  - سورة الأعراف، الآية 157.

  [37] - انظر: العز بن عبد السلام، قواع الأحكام في مصالح الأنام، ج1، ص9، وانظر الشاطبي، الموافقات، ج2، ص6، وص37.  

 - انظر: محمد سلام مدكور، مدخل إلى الفقه الإسلامي، ص101.[38]  

 - انظر: ابن القيم، إعلام الموقعين، ج3، ص1.[39]

 - سورة المائدة، الآية 91.[40]

[41]  - سورة البقرة، الآية 222.

 - سورة البقرة، الآية 179. [42]

 - سورة الفرقان، الآية 107.[43]

[44] - سورة الذاريات آية 47.

[45] - نكاح الخدن، الخدن هو الصاحب، وهو قوله تعالى: (ولا متخذات أخدان فقد كان أهل الجاهلية يقولون ما استتر فهو لا بأس به.

[46] - نكاح البدل: كان معمولا به عند العرب قبل الإسلام، وهو أن يقول الرجل لأخر: أنزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك.

[47] - نكاح الاستبضاع: كان الرجل في الجاهلية يقول لامرأته إذا طهرت من حيضها، أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، أي أطلبي منه المباضعة، أي الجماع لتنالي منه الولد، وقد حرّمه الإسلام.

[48] - نكاح الشغار: هو أن يزوج الرجل ابنته أو وليته لرجل آخر بشرط أن يزوجه الآخر ابنته أو وليته، وقد حرمه الإسلام.

[49] - نكاح المتعة: وهو أن يتزوج رجل من امرأة لمدة معينة، وقد حرمه الإسلام.

 [50] - رواه الترمذي.   

 [51] - رواه الشيخان.

[52] - سورة النساء الآية 21.

[53] - سورة الرعد الآية 38.

[54] - رواه الترمذي من حديث أبي أيوب رضي الله عنه.

[55] - المادة 9 ق.أ والمادة 9 مكرر ق.أ.

[56] - المادة 4 ق.أ.

[57]  - انظر: ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص 160.

[58]  - رواه البخاري.

[59]  - سورة الروم، الآية 21.

[60]  - سورة هود، الآية 61.

[61]  - سورة آل عمران، الآية 109.

[62] - المادة 11 معدلة ق.أ.

[63] - رواه الترمذي وأبو داوود وابن ماجة.

[64] - رواه أصحاب السنن وصححه الحاكم وابن حبان.

[65] - المادة 14 ق.أ.

[66] - سورة النساء الآية 4.

[67] - المادة 10 ق.أ.

[68] - المادة 9 مكرر (جديدة) ق.أ.

[69]  - رواه الدار قطني.

[70] - المادة 23 ق.أ.

[71] - المادة 24 ق.أ.

[72]  - سورة النساء، الآية 23.

[73] - المادة 25 ق.أ.

[74] - المادة 26 ق.أ.

[75] - سورة النساء الآية 23.

[76] - المادة 27.

[77] - المواد 28، 29 ق.أ.

[78] - المادة 30 (معدلة) ق.أ.

[79] - سورة النساء الآية 23.

[80] - سورة الممتحنة الآية 10.

[81] - المادة 36 (معدلة) ق.أ.

[82] - سورة النساء الآية 34.

[83]  - رواه البزار والطبراني.

[84]  - رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم.. 

[85] - المادة 47 ق.أ.

[86] - المادة 48 ق.أ.

[87] - المادة 52 (معدلة) ق.أ.

[88] - المادة 53 (معدلة) ق.أ.

[89] - المادة 54 (معدلة) ق.أ.

[90]   - انظر: سيد سابق، فقه السنة ص 341.

[91]  - القرء: هو ما أشارت إليه الآية: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍسورة البقرة، الآية 228، وهو في لغة العرب ورد بمعنيين، الطهر والحيض، ولذلك اختلف الفقهاء في تفسيره، فالمالكية والشافعية، قالوا: هو الطهر، بينما ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه الحيض.

[92] - المادة 58 ق.أ.

[93] - سورة البقرة الآية 228.

[94] - سورة الطلاق الآية 4.

[95] - المادة 59 ق.أ.

[96] - سورة البقرة الآية 234.

[97] - المادة 60 ق.أ.

[98] - سورة الطلاق الآية 4.

[99] - سورة الطلاق الآية 1.

[100] - المادة 62 ق.أ.

[101]  - الوعاء: الإناء

[102] - الحجر: هو الحضن، حواء أي يحويه ويحيط به.

[103] - رواه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه.

[104] - المادة 64 (معدلة) ق.أ.

[105] - المادة 78 ق.أ.

[106] - سورة البقرة الآية 233.

[107] - سورة الإسراء الآية 23.

 

[108]  - رواه الدار قطنى بلفظ (لم يرض) وأبو داود والطبراني.

 - سورة النساء، الآية 11. [109]

 -  سورة النساء، الآية 12.[110]

 - سورة النساء، الآية 176.[111]

[112]  - سورة النساء، الآية 11.

[113]  - انظر: محمد علي الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير، م1، ط2، دار القرآن الكريم، بألمانيا الغربية، 1396هـ، ص 362.

 

[114] - محمد محدة، التركات والمواريث، ط7، مطابع عمار قرفي، باتنة، 1994م، ص9-10.

 - سورة النساء، الآية 11. [115]

 -  سورة النساء، الآية 12.[116]

 -  سورة النساء، الآية 12.[117]

[118] - محمد علي الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير، مرجع سابق، 1/363-364.

[119] - محمد علي الصابوني، المواريث في الشريعة الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة، دار رحاب للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، د.ت. ص25-26.

 

 

 

 - سورة المائدة، الآية 50.[120]

[121]  - أنظر: تفسير الطبري (الإمام ابي جعفر محمد بن جرير)، م3، الجزء 4، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1398هـ-1978م، ص185-186.

 

[122] - انظر: محمد مصطفى شلبي، أحكام المواريث بين الفقه والقانون، دار النهضة العربية، بيروت 1978م، ص17.

 

[123]  - محمد أبو زهرة، في المجتمع الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة، د.ت، ص 72.

 

[124] - محمد أبو زهرة، في المجتمع الإسلامي، المرجع نفسه، ص 74-75.

                         

 [125] -  محمد مصطفى شلبي. أحكام المواريث. مرجع سابق. ص23-24.

 

[126] - سورة الروم، الآية 30.  

[127] - المادة 126 ق.أ.

[128] - المادة 127 و12 ق.أ و130 ق.أ.

[129] - المواد 134، 135، 138 ق.أ.

[130] - المادة 139 ق.أ.

[131] - المادة 41 ق.أ.

[132] - المادة 142 ق.أ.

[133] - المادة 143 ق.أ.

[134] - المادة 144 ق.أ.

[135] - المادة 145 ق.أ.

[136] - المادة 146 ق.أ.

[137] - المادة 147 ق.أ.

[138] - المادة 148 ق.أ.

[139] - المادة 149 ق.أ.

 

[140]  - رواه البيهقي.

[141]  - الإسراء آية 4.

[142]  - القصص 29.

[143]  - الأحزاب 37.

[144]  - الإسراء آية 23.

[145] - سورة الحجر آية 66.

[146]  -  مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، القاموس المحيط، دار العلم للجميع، بيروت، لبنان، (د.ت)4/378 مادة قضى.

 [147]  - الدسوقي، محمد بن أحمد بن عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير، المطبعة الكبرى الأميرية ط3، بولاق، القاهرة، 1901، 4/115.

[148] - برهان الدين إبراهيم بن محمد ابن فرحون المالكي، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1986م، 1/11.

 

[149] - سورة ص آية 26.

[150]  - سورة الحديد آية 25.

[151]  -  رواه البخاري.

[152]  - رواه البخاري.

 

[153] - برهان الدين إبراهيم بن محمد ابن فرحون المالكي، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، مرجع سابق، 1/12-30.

[154]  - ابن قدامة، عبد الله محمد بن أحمد بن محمود، موفق الدين، المغني، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1983م، 11/378.

[155] -  ابن أبي الدم، شهاب الدين إبراهيم بن عبد الله، أدب القضاء، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987م، ص45.

 

[156]  - رواه أحمد.

[157]  - رواه النسائي.

[158]  - رواه ابن ماجه.

[159]  - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري المعروف بالماوردي، أدب الدنيا والدين، ط1، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1988، ص 174.

[160] - انظر: ابن عاشور (محمد الطاهر)، مقاصد الشريعة الإسلامية، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985م، 205.

[161]  - ابن عاشور (محمد الطاهر)، مقاصد الشريعة الإسلامية، المرجع نفسه، ص193.

[162]  - سورة القصص، الآية 26.

[163] - رواه الحاكم.

[164] - رواه أحمد والبيهقي والحاكم.

 - انظر مجموع الفتاوى، 28/246-247.[165]

[166]  - سورة فصلت، الآية 42.

[167]  - رواه البخاري.

[168]  - سورة النساء آية 135.

[169]  - سورة المائدة آية 42.

[170]  - برهان الدين إبراهيم بن محمد ابن فرحون المالكي، مرجع سابق، 1/12 و1/ 30.