الهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدف من دراســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة المقياس:

ü    معرفة أهمية دراسة القانون المقارن وعلاقته بالعلوم القانونية.

ü    معرفة كيفية استخلاص الأحكام القانونية من النظام الساري.

ü    الإطلاع على الأنظمة القانونية المقارنة التي تبنتها الدول وذلك لتسهيل فهم مواضيعها وتطبيقاتها.

ü    معرفة المبادئ والأسس التي تقوم عليها الدراسات القانونية المقارنة.

ü    الإطلاع على مختلف الحلول التشريعية لمختلف الأنظمة (العائلات) القانونية وتبيان كيفية الاستفادة منها.

ü    إرساء الثقافة القانونية المقارنة لدى الطالب.

                    توزيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع المحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاور

الأسبــــــــــــــــــــــــــــوع

مفهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوم القانــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون المقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارن

التعريف بالقانون المقارن، نشأته، أهميته ومجالاته.

الأسبوع الأول

 02ساعات

علاقة القانون المقارن بالعلوم الأخرى

طرق المقارنة وشروطها

تصنيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــف الأنظمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة القانونيـــــــــــــــــــــــــــة المقارنـــــــــــــــــــــــــــة

معايير تصنيف الأنظمة القانونية

الأسبوع الثاني

02 ساعات

الأنظمة القانونية الكبرى:

1- النظام الرومانية الجرماني

الأنظمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة القانونيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة الكبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرى: (تابــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع)

2- النظام الانجلوسكسوني

الأسبوع الثالث

02 ساعات

3- النظام الإسلامي

 

 

المحاضرة رقم 01، 02 للأسبوع الأول (المدة: 02 ساعات)

يوم: 26 اكتوبر 2021.

العنوان: مفهوم القانون المقارن

التعريف بالقانون المقارن، نشأته، أهميته ومجالاته.

علاقة القانون المقارن بالعلوم الأخرى

طرق المقارنة وشروطها

 

تعريف القانون المقارن:

إن فهم واستيعاب أي قانون داخلي والوقوف على ايجابياته وسلبياته لايتاتى إلا إذا تمت مقارنته بقوانين الدول الأخرى وخاصة الدول الرائدة في المجال القانوني، ويقصد بالقانون المقارن  –droit compare– بأنه: هو ذلك المجال الدراسي المكرس للمقارنة المنظمة بين نظامين قانونيين أو أكثر، أو بين عناصر معينة من تلك النظم، من خلال تحليل مجموعة من الأفكار المشتركة والمختلفة بينها.

وتسمية «القانون المقارن» حديثة العهد، ترجع إلى ما يقرب من مئة عام، وهي تسمية اصطلاحية؛ لأنها لا تدل على ما توحي إليه، فهي توحي أنها مجموعة قواعد كسائر فروع القانون الوضعي، في حين أنها ليست كذلك، فالقانون المقارن ليس مجموعة من القواعد تنظم نشاطاً معيناً كالقانون المدني أو القانون التجاري، فكل ما يدل عليه هذا التعبير الاصطلاحي أنه دراسة قانونية أو بحث قانوني يقوم على المقارنة بين قانونين أو أكثر.

"هو العلم الذي يهتم بمقارنة النظم القانونية في العالم ، ويعتبر مونتسكيو هو مؤسس القانون المقارن في كتابه ((روح القوانين ))".

فروع القانون المقارن:

للقانون المقارن نفس التقسيمات التي يعرفها القانون في فروعه بين القانون العام والقانون الخاص والفروع الفرعية التي يعرفها كل تقسيم فالقانون العام يقسم إلى القانون المقارن الدستوري والقانون المقارن الإداري والقانون المقارن الدولي…إلخ.

ونفس الشيء بالنسبة لفروع القانون الخاص فهناك القانون المقارن المدني والقانون المقارن التجاري والقانون الدولي الخاص المقارن وغيرها من فروع القانون الخاص.

صور القانون المقارن:

تتخذ الدراسات المقارنة عدة أشكال وهي استعملت من طرف المقارنين في دراستهم وتعرض إليها الأستاذ (كونستونتينيسكو leontin-jean constantinesco) بكثير من التفصيل:

– القانون المقارن الوصفي: يقصد منه عرف قانوني أو أكثر وإظهار ما يميزها عن بعضها بإظهار الفروق التي بينها للتعرف على القوانين الأجنبية أو الحصول على معلومات دون غاية أخرى مثلا التمييز بين الكوارث الطبيعية في ظل من النظامين الفرنسي والجزائري.

– القانون المقارن التطبيقي: يعتمد عليه لتحقيق هدف عملي محدد يتجاوز التحصيل وجمع المعلومات من القوانين الأجنبية فهو ليس مجرد وصف للخلافات القائمة بين المفاهيم والقواعد موضوع المقارنة دائما فهو تحليل جوهري ودقيق للقوانين موضوع المقارنة ثم استنباط النتائج من هذا التحليل مثل: (حماية المؤمن له في النظام الجزائري والفرنسي).

– القانون المقارن المجرد: ويهدف إلى تكثيف تحصيل المعلومات في المجال القانوني وهذا ما يسميه الفقيه رابل بالمقارنة البحتة ولكن حسب الفقيه ڨيتريدج لا وجود لهذه الطريقة في القانون المقارن.

أنواع المقارنة:

توجد عدة طرق للمقارنة حيث أن طرق المقارنة تتعدد بتعدد المقارنين وكل واحد منهم يقترح طريقته الخاصة نورد البعض منها فيما يلي في فقرتين:

الفقرة الأولى: المقابلة والمقاربة والمضاهاة

1- المقابلة: (المقايلة) وتسمى أيضا بالمجانبة وفيها يضع الباحث النصوص أو الأحكام التي تعالج موضوع معين في قوانين مختلفة جنبا إلى جنب بحيث يقابل بعضها بعضا وبذلك يتعرف الباحث على مواضع التشابه والاختلاف بينها ويقارنها مع قانونه الوطني فيتبين بذلك ما بينها من اختلاف وائتلاف مثل أحكام الزواج أو الطلاق أو الحضانة أو الوكالة …إلخ.

2- المقاربة: وفيها يدرس الباحث جوانب التقارب بين القوانين وهي القوانين المتشابهة في الخصائص كالقوانين اللاتينية الجرمانية باستمدادها من مصادر قانونية مشتركة تخضع لمنهاج قانوني واحد يجعلها قابلة للمقارنة وهي طريقة تتبع في توحيد القوانين الداخلية وفي الدول الاتحادية ففي هذه الدول يوجد إلى جانب القوانين الاتحادية قوانين خاصة بكل دولة أو ولاية ونجد نطاقا مشابها لذلك في الشريعة الإسلامية فقد سعى بعض العلماء أو الفقهاء إلى المقارنة بين أحكام المذاهب الإسلامية المختلفة وقد أصبح هذا علما يسمى (علم الخلاف).

3- المضاهاة: (المعارضة) وهي تقوم على بيان أوجه الاختلاف بين منهجين مختلفين كالمنهج اللاتيني الجرماني والمنهج الاشتراكي أو منهج الكومن لو.

الفقرة الثانية: المقارنة والموازنة

1-المقارنة الأفقية والمقارنة العمودية:

المقارنة الأفقية: وهي المقارنة التي تكون بين القوانين المتباعدة في المكان كالمقارنة بين القوانين الوضعية في البلاد المختلفة مثلا بين القانون الصيني والقانون الكندي.

 المقارنة العمودية: وهي المقارنة المتباعدة في الزمان كمقارنة القانون الوضعي بقوانين أخرى قديمة تكون مصدرا للقانون الحالي.

2-الموازنة: (المقارنة المنهجية): وهي طريقة تخضع لمنهج معين يساعد على استخلاص نتائج يمكن التعرف بها على القانون الأفضل بعد دراسة أسباب الاختلاف والتقارب بين هذه القوانين بناء على الظروف التي تحيط بكل قانون.

مراحل المقارنة:

تمر المقارنة أساسا بمرحلتين: نتناول في الفقرة الأولى المرحلة التحليلية أما الفقرة الثانية  نتناول فيها المرحلة الاستنتاجية:

الفقرة الأولى- المرحلة التحليلية:

                   أو المقارنة الجزئية ويبدأ بتجزئة النص الأجنبي أي تحليل القاعدة القانونية الأجنبية إلى جزئيات ثم دراسة النظام الذي تحتوي عليه هذه القاعدة وبعدها ينتقل إلى دراسة المنهج الكامل للقانون الأجنبي فلو أراد الباحث الجزائري أن يقارن بين القانون الجزائري والقانون الفرنسي والقانون الألماني والسويسري في موضوع الحضانة مثلا فإنه يقوم بداية بدراسة القواعد القانونية وما يتفرع عنها من حالات ثم ينتقل إلى النظام بأكمله ليتمكن من فهم القاعدة ومدى تقاربها بالقواعد الأخرى محل المقارنة فيتعرف على أحكام الولد غير الشرعي والولد المتبنى وغيرها من المراكز القانونية لهذه الوضعية في القوانين محل المقارنة فينتهي الأمر بالباحث إلى دراسة نظام الأسرة بأكمله ولا يكتف بهذه الدراسة فقد يتسع نطاق المقارنة ليشمل آثار العلاقة بين الرجل والمرأة قبل الزواج وبعده ثم العلاقة بين الوالدين والأولاد ومدى سلطة الأبوين عليهم كما تشمل نظام الإرث وإلى غير ذلك من الحقوق والحماية التي يتمتع بها الطفل في مختلف الأنظمة محل المقارنة ومدى مطابقتها للقوانين الدولية في هذا الموضوع فالمقارنة تشمل في نهاية المطاف النظم الأجنبية محل المقارنة بأكملها ومواجهتها فيما بينها والوقوف على أوجه الشبه والاختلاف في القاعدة القانونية والنظام القانوني والمنهج بأكمله وبذلك يصبح استخلاص النتيجة ميسورا وسهلا وتقوم هذه المرحلة على عناصر يتعين على الباحث مراعاتها تتمثل فيما يلي:

معرفة القوانين محل المقارنة: فلا بد على الباحث أن يطلع على القانون الأجنبي اطلاعا كاملا هذا يتطلب أيضا معرفة لغة القانون الأجنبي ومصطلحاته وذلك لاختلاف المفاهيم في هذه المصطلحات مثال ذلك ترجمة  باتيمان الواردة في المادة 1386 من القانون المدني الفرنسي فهي قد تعني سفينة وقد تعني بناء فيجب على الباحث أن يعلم من خلال موقع النص معناها المناسب وعلى الباحث أن يتجنب الأخذ بقاعدة قانونية إلا بعد الرجوع إلى نصها الأصلي وأن يتجنب كذلك الدراسات السطحية.

البحث عن العوامل المؤثرة في تكوين القانون الأجنبي: وهي عوامل مختلفة تاريخية وعوامل سياسية وعوامل اقتصادية.
1- من الناحية التاريخية: يجب على الباحث أن يتطلع على الأسباب التاريخية التي ساهمت في تكوين القانون فالفروق بين القانون الروماني والفرنسي فيما يتعلق بفسخ العقد مثلا يرجع إلى أسباب تاريخية ففي القانون المدني الفرنسي يتقرر فسخ العقد بحكم قضائي لأن القانون الفرنسي مستمد من القانون الكنسي أما في القانون الألماني فالفسخ يتم بإرادة الدائن.

2- من الناحية الاجتماعية: على الباحث أن يدرس العوامل الاجتماعية التي تجعل تطبيق نصين مختلفين أو متفقين بين بلد وآخر فعلى الباحث أن يدرس البيئة الاجتماعية التي يطبق فيها القانون وكذلك الحال بمختلف القوانين فيجب دراسة ومعرفة البيئة الاجتماعية ومكانة النظام أو القاعدة القانونية وبعدها وأثرها على المجتمع فالتأمين عن البطالة أو التعويض على حوادث المرور أو عمل المرأة أو سن الزواج أو مسألة التبني أو مسألة الطلاق، كل هذه المسائل متأثرة بعادات والتقاليد والظروف الاجتماعية مثلا: المادة التي تتكلم على حق المرأة في مسكن الزوجية.

3-من الناحية السياسية: ينعكس الاختلاف السياسي على تحديد المفاهيم القانونية السياسية والإيديولوجية التي تقوم عليها النظم الاشتراكية أو الدول النامية حيث تعتمد على مفاهيم وأساليب التنظيم والتسيير تختلف في مفهومها عن أنظمة الدول الغربية الديمقراطية مثل اختلاف القانون الألماني والقانون الفرنسي حول الآثار التي تترتب على مفهوم الحوادث الطارئة في تنفيذ العقود وهذا حتى في نفس العائلة القانونية وبصفة عامة فإن المقارنة تتطلب معرفة النصوص محل المقارنة والتشريع وحده هنا لا يكف لأن يكون مصدرا إذ يجب الرجوع إلى الفقه والقضاء ويجب دراسة النص محل المقارنة كما ينظر إليه في النظام الذي ينتمي إليه أي في ضوء المصادر القانونية والنظام الخاص به وعلى القانونيين دراسة القوانين الأجنبية من الموسوعات والكتب العامة ثم التوجه إلى المجموعات القانونية ثم الأحكام القضائية وعلى العموم يمكن الرجوع إلى الكتب العامة والموسوعات والمجلات القانونية المتخصصة ومراجع البحث تعتبر أدوات الباحث للتجوال خلال القانون الأجنبي وعليه الاتصال بمصادرها سواء كانت في مجالات عامة أو مجالات القانون المقارن أو مجموعات خاصة به أو معاهد مستقلة معنية بتدريسه أو مواقع الانترنت وغير ذلك من وسائل البحث.

 

الفقرة الثانية – المرحلة الاستنتاجية:

         تبدأ المقارنة المنهجية كما سبق وأشرنا بفهم النصوص محل المقارنة كما يحددها النظام الذي ينتمي إليه أي بعد الرجوع إلى مصادره المختلفة أي العوامل التي أدت إلى ميلاد هذا النص ثم يشرع في تحصيل النتائج المتوصل إليها وهنا تبدأ مرحلة التحليل والنتائج أو المقارنة الكلية وتهدف إلى استخلاص العلاقات بين النصوص محل المقارنة ووجود التشابه أو الاختلاف وأسبابها من ناحية أخرى وتنتهي الدراسة المقارنة بتقرير نهائي لما توصل إليه الباحث المقارن من وجود أسباب التشابه أو الاختلاف وأن يعرض برأيه في موضوع وقد يكون رأيه متفقا مع أحد الأنظمة أو مخالفا لها أو رأي توفيقي ومن الأفضل ألا يكتف الباحث المقارن بهذا بل عليه أن يقدم تعليلا قانونيا موضوعيا سواء تعلق الأمر بالقانون الوطني أو الأجنبي هذه بصفة عامة هي مراحل المقارنة وصورها أو المنهج المعتمد في الدراسات القانونية.

علاقة القانون المقارن بالعلوم الأخرى:

علاقة القانون المقارن والقانون الدولي الخاص: يستعمل القانون الدولي الخاص القانون المقارن لحل مشكلة تنازع القوانين من خلال دراسة قواعد الاختصاص في القانون الأجنبي.

علاقة القانون المقارن والقانون الدولي العام : إن تأثير القانون المقارن في القانون الدولي العام لا يمكن إنكاره. فالمعاهدات والاتفاقيات الدولية تستمد من مصادر قانونية مختلفة لا من مصدر واحد، لذلك فإن القانون المقارن هو المرجع الذي يلجأ إليه واضعو هذه المعاهدات. وهذا ما عبر عنه نظام محكمة العدل الدولية حين عدَّ أن أحد مصادر القانون الدولي العام هو المبادئ العامة للقانون المشترك بين الأمم المتحدة.

هناك قواعد في القانون الدولي تستوجب الاستعانة بالقانون المقارن لتحديدها مثلا وبالتالي تحديد المبادئ المشتركة للأمم المتحضرة ؛ فكرة التعسف في استعمال الحق وفكرة العقد شريعة المتعاقدين 

القانون المقارن والنظرية العامة للقانون: يتمتع القانون المقارن في مجال النظرية العامة للقانون بأهمية كبرى، وذلك بالكشف عن الأصل التاريخي للتصنيفات والخصائص لكثير من المفاهيم القانونية، ومن ثم التعرف على وجود أو عدم وجود مثل هذه المفاهيم في القوانين الأجنبية. إن القانون الجزائري والمغربي والسوري مثلاً أو القانون الفرنسي يفرق بين القانون العام Droit public والقانون الخاص Droit privé، والقانون المدني والقانون التجاري، والقاعدة الآمرة والقاعدة التكميلية أو المفسرة، والحقوق العينية والحقوق الشخصية، والعقار والمنقول. وهذه المفاهيم يراها رجال القانون طبيعية ومنطقية في قانونه الوطني، بعكس ما إذا كانت الدراسة مقارنة فسيتم اكتشاف أن هذه المفاهيم لا وجود لها في بعض القوانين الأجنبية، أو أن لها دلالات مختلفة عما هي في القانون الوطني.

القانون المقارن وتاريخ القانون وعلم الاجتماع القانوني:

-       مؤرخ القانون مجبر على اتباع منهج المقارنة لتحديد المفاهيم القديمة والمعاصرة للقانون .

-       وعلماء الاجتماع مجبرون على اتباع منهج المقارنة لدراسة الظواهر الاجتماعية في عدة بلدان .

-       وعلماء القانون المقارن مجبرون على دراسة علم الاجتماع وتاريخ القانون لفهم الاختلاف بين الثقافات القانونية بين المجتمعات.

أهداف وأهمية القانون المقارن:

الهدف المعرفي: يهدف لتحسين المعرفة بالقوانين الأجنبية لدى دارس القانون، ويسهل العثور على أفضل الحلول لمشكلة وطنية مطروحة للناس  ويفاضل ويختار منها الحل المناسب.

خدمة العلوم الطبيعية: فاتجهت العلوم الاجتماعية لتبني نظرية التطور والارتقاء ووضع مراحل تطور المجتمعات، واتجه القانون المقارن تحت تأثير العلوم الطبيعية اتجه إلى تصنيف القوانين الوطنية في شكل (اسر قانونية ) .

دور القانون المقارن في فهم القانون الوطني وتطويره ومحاولة تحسينه: تبدو أهمية القانون المقارن سواء للمشرع من جهة، أو للفقه والاجتهاد القضائي من جهة أخرى، في الحصول على معرفة أفضل للقانون الوطني، ومن ثم العمل على تحسينه وتطويره. فالمشرع في كل وقت يمكن أن يفيد من القانون المقارن وشرائع الأمم المختلفة، ويقتبس منها ما يتفق مع حاجاته بغرض إنجاز مهمته على أكمل وجه. ولقد ضرب المشرع الفرنسي مثلاً في الإفادة من التشريعات المقارنة في نهاية القرن التاسع عشر عن طريق اقتراحات تقدم بها فقهاء وأساتذة جامعات لتنقيح القانون المدني الفرنسي بعد اطلاع هؤلاء على التقنينات التي كانت قد صدرت في ذلك الحين في العديد من دول أوربا. ولم يقتصر الأمر على المشرع الفرنسي، فيلاحظ أن التشريعات الأوربية عموماً قد سلكت منذ بدايات القرن العشرين مسلكاً موحداً لتنظيم الحاجات ومواجهة الظروف المستجدة بحسبان أن هناك تشابهاً وتماثلاُ في تلك الظروف والحاجات في أوربا. ويظهر هذا التماثل والتطابق في كثير من التفاصيل في أغلب فروع القانون: كالقانون المدني، والقانون التجاري، والقانون الجنائي، والقانون الإداري، وقانون العمل. فأحكام «الشيك» وأحكام «التأمين البحري» في القانون الإنكليزي، ووقف تنفيذ الحكم الجزائي في القانون البلجيكي، وأحكام «الشركة محدودة المسؤولية» في القانون الألماني، و»التأجير التمويلي» في القانون الأمريكي، هذه الأمثلة كلها اعتمدت من قبل المشرع الفرنسي وتبناها في قوانينه.

تنظيم العولمة: كان سقوط حائط برلين رمزا لتوحيد العالم الشرقي والغربي ، فالقانون المقارن ضروري في عملية توحيد القوانين على المستوى الإقليمي والدولي بعد ثورة الاتصالات والمواصلاتة، وضروري لمعرفة المبادئ العامة المشتركة للأمم المتحضرة، وهو هام لدى الاتحاد الأوروبي فظهر في أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهام بالنسبة لدول الخليج العربي، وضروري استخدامه في مجال التجارة الدولية والتحكيم التجاري وعمل الشركات عبر القارات لتحديد القانون الواجب التطبيق على تعاقداتها .

تاريخ القانون المقارن:

إذا تمَّ تعقب تاريخ القانون المقارن، فيلاحظ أن هناك أثراً لدراسات تم إجراؤها في اليونان القديمة تتمثل في مقارنة بين 153 دستوراً كانت تحكم المدن اليونانية والبربرية، وهذه الدراسات تعد الأساس الذي اعتمد عليه «أرسطو» في كتابه الشهير «السياسة».

في العصور الوسطى كان هناك دراسات مقارنة بين القانون الروماني والقانون الكنسي، وفي إنكلترا تمت المقارنة بين الشريعة العامة الإنكليزية والقانون الكنسي. والمقارنة بين الأعراف السائدة ساعد في تكوين مجموعة من القواعد العامة التي يرجع إليها القاضي عرفت في فرنسا باسم Droit Commun، وفي ألمانيا باسم Deutches Privatrecht. مونتيسكيو Montesquieu في كتابه «روح الشرائع» حاول عبر دراسته المقارنة إبراز وإيجاد مبادئ عامة للحكم الرشيد.

الامبراطورية الرومانية لم تستعمل المقارنة لاعتقادهم بسمو نظامهم السياسي القانوني .

البداية الحقيقية للقانون المقارن كمصطلح متداول، وعلم، ومنهج بدأت عام 1900 في باريس عندما انعقد المؤتمر الدولي الأول للقانون المقارن بمبادرة من الفقيهين الفرنسيين «ادوار لامبير» Edouard Lambert، و«ريمون ساليّ» Raymond Saleilles. لقد كان هذا المؤتمر دفعاً قوياً لعلم القانون المقارن أدى إلى إنتاج بحوث غزيرة في هذا المجال، وأدى إلى كسر العزلة التي كان يعيشها رجال القانون وذلك عن طريق إطلاعهم على الأنظمة القانونية للدول الأخرى.

إن الفكرة الرئيسة التي نادى بها لامبير وساليّ في مؤتمر القانون المقارن هي الدعوة إلى قانون إنساني عالمي مشترك. فوظيفة القانون المقارن، حسب ساليّ، إبراز المبادئ المشتركة لكل النظم القانونية المتحضرة في العالم. هذه المبادئ تعد مبادئ عالمية ثابتة غير متغيرة، ويمكن أن تشكل قانوناً طبيعياً. أما موقف لامبير فكان مختلفاً إلى حد ما، فالقانون المقارن يهدف إلى أمرين اثنين: الأول هدف علمي مفاده أن الدراسة المقارنة ينبغي أن تقود إلى الكشف عن عوامل نشوء وتطور وانتهاء المؤسسات القانونية، أو ما يسمى بالتاريخ المقارن للقانون، وفي هذا المجال تكون المقارنة غير محدودة بزمان أو مكان. أما الهدف الثاني، بحسب لامبير، فهو هدف عملي، فالقانون المقارن ليس علماً وإنما تقنية قانونية خاصة لإنشاء القانون المشترك التشريعي في المجتمعات ذات الحضارات المتماثلة والمتحدرة من مصادر واحدة، ويقصد بذلك القوانين اللاتينية الجرمانية التي تتحدر في أصولها من القانون الروماني والأعراف الجرمانية.

في مطلع القرن العشرين، ومع صدور القانون المدني الألماني، ظهرت دراسات قانونية مقارنة بين مواد هذا القانون ونظرياته وصياغته وبين القانون المدني الفرنسي. واتسع نطاق المقارنة مع صدور القانون المدني السويسري عام 1907.

بعد الحرب العالمية الأولى ومشاركة بريطانية والولايات المتحدة فيها نحا القانون المقارن منحى جديداً يختلف عما كان سائداً بعد مؤتمر باريس عام 1900. فلم تعد الدراسات المقارنة تقتصر على دول النظام القانوني الروماني الجرماني، وإنما اتسعت لتشمل بريطانية ونظامها القانوني، ومن ثم انتقلت لتشمل قانون الولايات المتحدة الذي ينتمي إلى نظام الشريعة العامة الإنكليزية.

على الرغم من أن فكرة القانون العالمي لم تلق رواجاً منذ إطلاقها أول مرة في مؤتمر باريس، إلا أنها كانت نقطة الانطلاق لإثارة الحماسة في أوربا حول إنشاء قانون عالمي موحد بعد الحرب العالمية الأولى. وهذا المبدأ قد وجد ترجمة عملية له في نص المادة 38 من نظام محكمة العدل الدولية الدائمة، والتي تدعو المحكمة إلى تطبيق المبادئ القانونية العامة التي أقرتها الأمم المتحدة فضلاً عن تطبيق قواعد أخرى. وانعكس هذا المبدأ أيضاً في إنشاء العديد من المعاهد الدولية والجمعيات التي تسعى إلى توحيد القوانين.

بعد الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم إلى كتلتين متناقضتين تنظر كل منهما إلى الأخرى بعين الشك والريبة، مما انعكس على العلاقات القانونية بينهما، اتسعت الهوة بين القانون الغربي والقانون الاشتراكي، فأدى ذلك في نهاية المطاف إلى تراجع نسبي للدراسات المقارنة. هذه الهوة بدأت تضيق في الستينيات من القرن العشرين مع عقد المؤتمرات الدولية للقانون المقارن بين القوانين الغربية والقوانين الاشتراكية في مسائل مثل العقود والملكية … عامل آخر أسهم بعد الحرب العالمية الثانية في إنماء الدراسات القانونية المقارنة هو استقلال الكثير من دول العالم الثالث وظهور أنظمة قانونية مستمدة من مبادئه وتقاليده ومن القوانين الغربية التي كانت سائدة فيه.

ظهور المنهج المقارن

مع بداية القرن العشرين وضع الفقهاء نصائح منهجية للباحثين في القانون المقارن، حتى أصبحت النصائح محلا للدراسة والتحليل وبالنهاية ظهور منهج خاص بالقانون المقارن. ومن هذه النصائح :

* على الباحث القانوني دراسة الهيكل النظري والتطبيق العملي لكل نظام قانوني.

* دراسة الحلول القضائية الفعالة والمقارنة بين الحلول للوقوف على سبب ووجود كل حل.

* وان تتم المقارنة وفقا لمعايير موضوعية ، كالبعد الزماني والمكاني والقانون الواقعي وليس فقط القانون الرسمي، وتاريخ النظم محل المقارنة والرجوع للمصادر الأولى للنظم .

* يجب الابتعاد عن التعليم السطحي.

التحليل المنهجي وإجراءات المقارنة وفقا للمحاولات البراجماتية (الشخصية): مراحل المنهج المقارن

1- مرحلة المعرفة: دراسة المصطلح كما هو، وفحص المصطلح الواجب مقارنته من خلال مصادره الأصلية، مراجعة المصطلح محل المقارنة من خلال مجمل مصادر القانون الذي يحتويه، احترام تدرج مصادر القانون في النظام محل الدراسة، وتفسير المصطلح محل المقارنة بحسب مناهج التفسير المتبعة في الدراسة.

2- مرحلة الفهم: فهم المصطلح وإدراج المصطلح محل المقارنة في النظام القانوني الخاص به، وفهم القانون بالمعنى الواسع (سيلسيا واقتصاديا واجتماعيا)، وفهم المصطلح بحسب الأفكار التي أنتجته مجتمعه.

3-مرحلة المقارنة: مرحلة استخلاص النتائج من خلال تفريد المصطلح وتحديده وبيان أوجه التشابه والاختلاف الموجودة بين المصطلحين ، تحديد القيمة الحقيقية لأوجه التشابه والاختلاف، وتحديد أسباب وجود هذا التشابه.

يوجد مفهومين لوظيفة القانون المقارن ؛

الأول: يجعل من القانون المقارن علم القانون: أي الظواهر القانونية والمنهج المتبع فيه منهج التاريخ المقارن للنظم، وعلى الباحث أن يعرف تطور النظام القانوني وظروف نشأة النظام والظروف التي أدت إلى تعديله إلى أن اخذ النظام الشكل الحالي.

الثاني: يجعل من القانون المقارن وسيلة لتقريب المستمر فيما بين التشريعات والقوانين المتشابهة : والمنهج المتبع  في هذا العلم هو منهج القانون التشريعي المشترك، ويجب أن يدرس الباحث النظام كما في ورد  التشريعات ومن ثم كما ورد في القضاء والفقه.

أنواع المناهج

1- المنهج الوصفي والارتقاء: ينحصر داخل نطاق التشريع فقط، فيرس الفقيه النظام وتطوره خلال الزمان ، وكان يركز على عنصرين بالنسبة للماضي كان يزودنا بمعلومات ناقصة اغلب الأحيان، وبالنسبة للحاضر فالوصف المؤسس كان يقتصر على الناحية التقنية .

2- المنهج القائم على دراسة المفاهيم: يهتم بدراسة المفاهيم القانونية المختلفة ويستعمله الباحثين القانونيين فيبدؤون بتعريف المصطلحات فهو ضروري في مجال توحيد التشريعات لكن لا يمكن مقارنة الأفكار في النظم المقارنة .

3- المنهج الوظيفي:

* تتم المقارنة من خلال تحديد المشاكل الواجب إيجاد الحل لها بمقارنتها بالحلول التي تطرحها النظم محل الدراسة ، فيحدد الفقيه النظم ودورها. 

* مؤلفه هو الالماني ارنست رابل الذي درس عقد البيع الذي كان أساسا لاتفاقية اثينا الخاصة بعقد البيع الدولي.

* فالقانون وسيلة تنظيم وضبط اجتماعي ، فمن الواجب اتباع قواعد معينة اثناء المقارنة ؛ كالتحرر من المفاهيم الخاصة ، ودراسة الموضوع محل الدراسة من منظور الاهداف الاجتماعية .

وينظر للقاعدة القانونية من خلال :

1-الوظيفة التي تؤديها .      2-قدرتها على تحقيق هذه الوظيفة .

ومن ثم تتحقق الأهداف التالية :

أ-هدف كل العلوم بالبحث عن الحقيقة ومعرفة القانون باعتباره ظاهرة اجتماعية .

ب-هدف تشريعي بتنوير المشروع وتزويده بالحلول التي يمكن تبنيها .

ج-هدف يتعلق بالفهم الأفضل للقواعد داخل نظامها القانوني من قبل الفقه ويثير النقد  القانوني.

4- المنهج الواقعي: أعده الأستاذ شليز ينجر وهو يدعو إلى تعميم العناصر المتطابقة التي تحددها العيوب، وضمان أن الإجابات المطروحة لمسائل متطابقة يتم تفسيرها بشكل متطابق ، وتجنب الإجابات التي تحتاج إلى تفسير من جديد، ولتطبيق ذلك تصاغ الاستبيانات في شكل قضايا محل بحث يتم استنتاجها من الخبرة العلمية والعملية لرجال القانون، وهو مكمل للمنهج الوظيفي ويستعمل معه مجتمعين.  

5-المنهج الثقافي القائم على دراسة الثقافات: هو لا يدرس حلول للمشاكل القانونية في ذاتها بل يدرسها من خلال الظروف الخاصة والعوامل المحيطة بها ، مثل مقارنة قاعدتين فيما إذا كانت تتشابه في المؤسسات الاجتماعية.

كيف نقارن؟:

القانون يعكس المستوى العقلي للشعب من حيث قدرة الجماعة على التنظيم؛ سواء على المستوى الكلي ( تنظيم المجتمع ) أو على المستوى الجزئي (تنظيم العلاقات الفردية ). والقانون يضع نظاما لما يجب أن يكون عليه الواقع من خلال فرض مجموعة من القيم الأخلاقية على الواقع الاجتماعي، فكل مجتمع يمر بمرحلة تأسيسية فتترجم المبادئ والقيم في شكل نظم تفصيلية في مجال القانون والاقتصاد، والسياسة والفن، ومن الأمثلة على المرحلة التأسيسية:

بالنسبة للمجتمع الأوروبي:

التطور الفكري أدى إلى لحظة تأسيسية، والفصل بين الدين والدولة.

 وصيغت مبادئ عامة حاكمة في جميع المجالات مثل( مبدأ العلمانية، العقد شريعة المتعاقدين، دعه يعمل دعه يمر، الحرية، المساواة، الأخوة الإنسانية، وحرية التعبير)

ثم صيغت النظم التفصيلية من هذه البادئ في جميع مجالات الحياة بشرط أن لا تخالف النظم هذه المبادئ، مثل؛ ( مبدأ العقود يقوم على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين).

بالنسبة للمجتمع الإسلامي:  اللحظة التأسيسية بدأت بالرسالة السماوية على نبينا محمد واكتملت باكتمال نزول الوحي وتفسير الرسول، وهنا لا يوجد فصل بين الدين والدولة. صيغت المبادئ العامة في القرآن والسنة منها ؛(إن الحكم لله، وأمرهم شورى بينهم، ولا تزر وازرة وزر أخرى، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، إن الله يأمر بالعدل والإحسان، إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). صيغت هذه المبادئ بشكل مقاصد للشريعة ضرورية وتحسينية لحفظ النفس والمال والدين والنسل والعقل. وصيغت من المقاصد أنظمة اجتماعية وقانونية وسياسية واقتصادية ، بشرط أن لا تخالف هذه النظم المقاصد.

 

المحاضرة رقم 03، 04 للأسبوع الثاني، المدة: (02 ساعات)

يوم: ....... أكتوبر 2021

العنوان: تصنيــــف الأنظمـــة القانونيــة المقارنــــة ومعايير التصنيف

معايير تصنيف الأنظمة القانونية

الأنظمة القانونية الكبرى:

1- النظام القانوني الرومانوجرماني؛ أو المجموعة اللاتينية

 

معايير تصنيف الأنظمة القانونية:

                اختلف الفقهاء في تصنيف الأنظمة القانونية الكبرى الموجودة على المستوى الدولي إلى أربعة تصنيفات:

التصنيف الأول: اعتمد على معيار تأثير القانون الروماني، أو القانون الجرماني في النظام القانوني في الدولة، حيث قسم الأنظمة القانونية إلى ثلاث مجموعات:

المجموعة الأولى: تمتاز بالتأثير  الكبير للقانون الروماني، ويشمل إيطاليا، اسبانيا.

المجموعة الثانية: تمتاز بالتأثير الضعيف للقانون الروماني، وتمثل انجلترا ، روسيا.

المجموعة الثالثة: تمتاز بالتأثير المتساوي للقانون الروماني والقانون الجرماني، وتشمل فرنسا، ألمانيا، سويسرا يلاحظ أن هذا التصنيف اعتبر انجلترا من بين الدول التي تعتمد القانون الروماني ولو بدرجة ضعيفة، رغم أنها مصدر نظام الكومن لو –الانجلوسكسوني- كما أنه حصر التصنيف في أوروبا.

 

التصنيف الثاني: استعمل مصطلح العائلة وقسم العالم إلى أربع عائلات:

العائلة الأولى: العائلة الرومانو جرمانية.

العائلة الثانية: عائلة القوانين المشتركة أو القانون العام الكومن لو.

العائلة الثالثة: عائلة القوانين الاشتراكية.

العائلة الرابعة: عائلة أخرى وهي التي يدخل فيها النظام القانوني الإسلامي، وقانون الهند، وقانون الشرق الأقصى والصين واليابان وهي لاتشكل عائلة.

التصنيف الثالث: يقسم الأنظمة القانونية إلى ثلاث مجموعات.

المجموعة الأولى: الأنظمة الغربية أنظمة مستنبطة من الدين المسيحي دون أن يكون هذا الدين مصدرا للقانون.

المجموعة الثانية: الأنظمة الاشتراكية وهي الأنظمة التي لها نزعة غير دينية.

المجموعة الثالثة: الأنظمة الدينية، وتضم النظام الإسلامي، قانون الكنيسة، قانون الهند.

التصنيف الرابع: يقسم العالم إلى مجموعتين :

المجموعة الأساسية: تظم النظام القانوني الرومانوجرماني، الكومن لو، والنظام الاشتراكي.

المجموعة الثانوية: تظم الأنظمة الدينية، وأنظمة العالم الثالث.

 

العائلات القانونية الأساسية

-1 عائلة القانوني الرومانوجرماني: مصدرها هو القانون الروماني، والعادات الجرمانية، وتشمل ألمانيا والمجموعة الجرمانية والتي تجسدت في القانون الألماني، وتشترك المجموعة الرومانية والجرمانية في المبادئ رغم وجود بعض الاختلافات التفصيلية، وقد أخذت دول أخرى بهذا النظام منها إيطاليا اسبانيا بلجيكا المجر ...الخ، وكذلك دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا.

وفي هذه العائلة التشريع هو المصدر الأساسي للقانون. ووظيفة القانون الحفاظ على النظام العام وتنظيم سلوك الأفراد في الحاضر والمستقبل، حيث ترد صياغة القواعد القانونية عامة ومجردة.

2- عائلة الكومن لو: ظهر هذا النظام في انجلترا وأخذت به الولايات المتحدة الأمريكية ودول الكومن لو حيث يشترك القانون الأمريكي في المبادئ رغم وجود اختلاف بينهما.

وفي هذه العائلة القضاء هو المصدر الأساسي للقانون، حيث إن الأحكام القضائية الصادرة عن الهيئات العليا هي التي تنشئ القانون، والقواعد في هذا النظام تنشأ من الواقع، وتنظم سلوك الأفراد، وعليه فالبحث في نظام الكومن لو ينطلق من الخاص إلى العام.

3- عائلة الشريعة الإسلامية: تعتبر الشريعة الإسلامية نظاما متكاملا تغطي الجوانب الدينية والدنيوية للفرد والمجتمع والدولة، إلا أن الفقه الغربي والمسيحي يعتبرها نظاما قانونيا قديما وثانويا.

 

أولا: النظام القانوني الرومانوجرماني؛ أو المجموعة اللاتينية

ينتشر هذا النظام في دول أوروبا الوسطى، وقد تجسدت فيه قواعد القانون المدني الفرنسي، وقواعد القانون الألماني، وهو نظام مستمد من القانون الروماني والأعراف الجرمانية، فالقانون المدني الفرنسي (تقنين نابليون) الصادر عام 1804 يتألف من الأعراف الجرمانية التي كانت تغلب في شمال فرنسا والقانون الروماني يغلب في جنوب فرنسا.

أما القانون الألماني الصادر عام 1900، فكان أكثر تشبعا بالقانون الروماني الذي تبنته ألمانيا منذ أن انشأ الملك شرلمان الإمبراطورية الجرمانية في القرن التاسع للميلاد وكان يحلم بأمجاد الإمبراطورية الرومانية الغربية هذا التفريق لايعني تعارضا بين المجموعتين فهما من أصول واحدة، ولكن هذا لاينفي وجود اختلاف في الأحكام التفصيلية قد تمتد إلى تفسير  وتطبيق بعض المبادئ العامة، فنظرية الالتزام مثلا ترجع في أصل الاثنين على أصل واحد، ولكنها تختلف في بعض أحكامها التفصيلية وفي بعض تطبيقاتها العملية. وقد تأثرت القوانين الأوروبية بالقانون المدني الفرنسي والقانون المدني الألماني.

التكوين التاريخي للنظام القانوني الرومانوجرماني: خضع هذا النظام إلى تأثير القانون الروماني والديانة المسيحية، فالقانون الروماني نشأ وطبق في المجتمع الروماني منذ نشأة مدينة روما في القرن السابع قبل الميلاد حتى تقنينه في مجموعات الإمبراطور جوستنيان في القرن السادس الميلادي، ومر بثلاث مراحل تاريخية تتميز كل منها بخصائص معينة:

المرحلة الأولى: مرحلة العصر الملكي: تبدأ هذه المرحلة مع نشأة روما حتى قيام النظام الجمهوري عام 509 ق.م، ويمثل هذا العصر دور الطفولة بالنسبة للقانون الروماني، فمصادر القانون انحصرت في العرف والتشريع، غير أن المصدر الثاني ثانوي الأهمية، كما تميزت هذه المرحلة بأن رجال الدين هم الذين كانوا يتولون تفسير القانون وتطبيقه.

المرحلة الثانية: مرحلة العصر العلمي: وتبدأ هذه المرحلة مع صدور قانون إيبونيا في منتصف القرن الثاني ق.م، وتنتهي في أواخر القرن الثالث بعد الميلاد، وهذا العصر هو أزهى وأرقى عصور القانون الروماني، وتميز هذا العصر من مصادر القانون بتعددها وخصوبتها، فظهرت بجانب العرف والتشريع، مصادر جديدة هي قانون الشعوب، والقانون البريتوري الذي أنشأه البريتور (أي الحاكم القضائي).

المرحلة الثالثة: مرحلة عصر الإمبراطورية السفلى: وبدأت بتولي الإمبراطور ديوكلتيانوس السلطة عام 284 م، وانتهت بوفاة الإمبراطور جوستينيان عام 565 م، وفي هذا العصر تدهور فيها القانون الروماني وآل إلى الجمود، وإن تميز هذا العصر نفسه، من جهة أخرى، بتقنين قواعد القانون الروماني، والذي قام به بشكل أساسي الإمبراطور جوستينيان، حيث قام بتدوين القوانين الرومانية في مدونة قسمت إلى أربع مجموعات:

 الأولى: أوامر الإمبراطور .

الثانية: الأشخاص، الأشياء ، نظام الدعاوى .

الثالثة: جمع مؤلفات كبار فقهاء الرومان .

الرابعة: تضمنت المنشورات والتعليمات .

وبعدما نشطت الدراسات المقارنة في العصور الوسطى ظهرت في القرن الثاني عشر حركة النهضة التي دعت إلى إحياء القانون الروماني وكانت جامعة بولونيا بإيطاليا أول من رعت هذه الدعوة وقامت بتدريس القانون الروماني عن طريق الشرح على المتون في مجموعات جوستينيان التي تشمل خلاصة للنظم القانونية الرومانية، وتتمثل في شرح وتفسير المعنى الأصلي للحكم أو النص بوضع حواشي هامشية، واتخذت من قواعد الشرح قواعد لتفسير الأعراف التي كانت منتشرة مع المحافظة على القواعد الرومانية الأصلية.

وفي القرن الثالث عشر انتقلت حركة الاحياء إلى الجامعات الفرنسية والألمانية وأخذت في تدريس القانون الروماني واعتبرته تعبيرا للعدل وقواعد أساسية لقانون مشترك ، كما تبنت الكنيسة القانون الروماني واعتبرته مطابقاً للقانون الإلهي، مما جعل القانون الكنسي يأخذ مكانة في الجامعات بجانب القانون الروماني وأصبح يدرس معه، ومن الأعمال البارزة في هذا العصر إصدار الحاشية الكبرى بفضل الفقيه(أكريز) الذي جمع 96 ألف حاشية على مجموعات جوستينيان مضيفا إليها حواشي قام بعض الشراح بكتابتها على هامش النصوص.

وفي القرن الرابع عشر ظهرت مدرسة جديدة أخذت تصوغ الأعراف صياغة رومانية وتستلهم من القانون الروماني والكنسي حلول الحاجات الزمنية المستجدة بإزدهار التجارة.

وفي القرن السابع عشر والثامن عشر قويت دعائم المنهج الروماني الجرماني بفكرة القانون الطبيعي التي نادى بها فلاسفة ومفكروا ذلك العصر ودعوا إلى تحكيم العقل في وضع القوانين واستنباطها وتنظيم العلاقات بين الدول وقد رافق هذه الدعوة قيام المذهب الإنساني الذي دعا إلى تمجيد الإنسان ودعا لتحريره وجعل إرادته تنبع من ذات نفسه وكانت الغاية من ذلك الحد من سلطة الملوك واستبدادهم.

ومهدت الحركة العلمية للجامعات في جهة أخرى السبيل لحركة التدوين والتقنين التي عرفتها أوروبا في القرن 19. واشتهر في هذا العصر(ايمانويل كانت) الذي اعتنق فكرة قيام قانون للشعوب مؤسس على اتحاد الدول الحرة يعمل على منع الحروب نهائيا وانتقلت هذه الفكرة إلى ايطاليا فنادى بها (ايكو) ودعا إلى إيجاد قانون عالمي يقوم على أساس مستمد من حقائق التاريخ ورأى أن قوانين الشعوب تصدر من مصدر واحد هو العقل الإنساني فإذا تشابهت فهذا يعنى أنها بلغت دورا واحدا ما ادوار الحضارة الإنسانية وقد رأى فريق من فلاسفة القانون وفقهاء القانون المقارن من نظرية أيكوا أساساً لإقامة مفهوم عالمي للقانون، كما اشتهر الألماني (سافيني) ومضمون فكرته هو دراسة كل أمة داخل إطارها التاريخي متأثرا بالقانون الروماني.

خصائص النظام الرومانوجرماني:

يتميز هذا النظام القانوني بخصائص معينة هي: التقنين والتأثر بالقانون الروماني والازدواج القضائي.

 

تقسيمات القانون الروماني:

قُسم إلى قانون عام وقانون خاص حيث تضمن القانون العام أحكاما منظمة لمرفق الدولة، وتضمن القانون الدستوري، الإداري، الجبائي، الجنائي، في حين تضمن القانون الخاص فروعا عديدة أهمها:

القانون المدني، ق التجاري، ق العمل... وغيرها ، كما قسم القانون الخاص إلى قانون خاص بالأشخاص ، وقانون خاص  بالأموال، وقانون خاص بالدعاوى، وقسموا الأموال إلى عقارية ومنقولة مادية ومعنوية، كما قسموا المسؤولية إلى القائمة على الفعل الشخصي، وعلى فعل الغير وفرقوا بين المسؤولية القائمة على الخطأ الإيجابي والخطأ السلبي، وقسموا العقود إلى رضائية وشكلية وميزوا بين العقود الملزمة للجانبين والملزمة لجانب واحد.

أما قانون الأحوال الشخصية فقد استمدها القانون الرومانوجرماني (اللاتيني الجرماني) من قانون الكنيسة.

 

انتشار النظام الرومانوجرماني داخل أوروبا وخارجها:

1-                انتشاره داخل أوروبا:

حين قامت الثورة الفرنسية حملت أفكار الثورة المتشبعة لتقنين الجديد الذي يتضمن مبادئ الثورة من الحرية والإخاء والمساواة وقد تبنت بعض الدول هذا القانون كبلجيكا ولوكسمبورج واقتبسته دول أخرى مثل ايطاليا والنمسا وكان موضع دراسة عند وضع القانون المدني الألماني. وحين صدور القانون المدني الألماني نشطت بصدوره الدراسة المقارنة واقتبست منه بعض الدول كسويسرا.

كان التقنين الفرنسي والألماني مصدرين لبلاد أوروبا الشرقية كروسيا وبولونيا وتشيكوسلوفاكيا وبذلك تعتبر هذه البلاد من العائلة الرومانية الجرمانية إلا أن هذه البلاد لم تستمر كثيرا على هذا النهج القانوني حيث قامت روسيا بتبني النظام الشيوعي الذي يمتلك بنية قانونية مختلفة فانضمت لها دول أوروبا الشرقية بعد دخولها في النظام الشيوعي.

2-               انتشاره خارج أوروبا:

انتشرت قوانين هذا النظام عن طريق الاستعمار، ففي أمريكا اللاتينية نجد العائلة الرومانية الجرمانية ظاهرة في قوانينها بسبب الاستعمار الاسباني والبرتغالي وفى أمريكا الشمالية مازالت قوانين بعض المناطق متأثرة بالقانون الفرنسي فولاية لويزيانا في الولايات المتحدة تابعة لهذه العائلة وولاية كويك في كندا.

وفى أفريقيا انتشرت المجموعة اللاتينية بسبب الاستعمار الفرنسي والاسباني والبرتغالي فساد في أفريقيا وامتد تأثير هذه المجموعة إلى الحبشة فاستمدت من القانون الفرنسي قانونها المدني والتجاري كما تأثرت البلاد التي يتألف منها اتحاد جنوب إفريقيا بالقانون الهولندي وبعد ذلك أصبح قانونها كومن لو وانتهى إلى كونه قانون مختلط.

وفى شمال أفريقيا لاتيني جرماني بحكم السيطرة الاستعمارية كما تأثرت مصر بالمجموعة اللاتينية على الرغم من خضوعها مدة من الزمن للاستعمار الانجليزي.

أما اليابان مازالت متأثرة بالقوانين الرومانية الجرمانية، وفي تركيا بعدما كان نظامها إسلاميا فقد ألغت هذا وأخذت من العائلة الرومانية الجرمانية، أما البلاد العربية فكانت متأثرة بالقانون العثماني إلى أن الغى واستبدل بالقوانين الرومانية الجرمانية ومنها مصر التي اقتدت بها معظم الدول العربية رغم أنها لم تهمل جانب الشريعة الإسلامية في قوانينها وجعلتها مصدرا من مصادر القانون.

وفي المملكة العربية السعودية تسرى أحكام الشريعة الإسلامية غير أنها وضعت كثير من النظم المتأثرة بقوانين العائلة الرومانية الجرمانية وفى دول الخليج العربي تأثرت بالعائلة الرومانية عن طريق اقتباس القانون المصري المأخوذ في جزء منه من هذه العائلة.

 

مصادر القانون في النظام اللاتيني الجرماني:

يعد التشريع المصدر الأساس للقانون، ثم يليه العرف، والفقه والاجتهاد القضائي في المرتبة الثالثة.

 

أما من حيث الاختصاص فتوجد عدة أنماط:

النمط الفرنسي: الذي يأخذ  بمبدأ الفصل بين اختصاص القضاء العادي والقضاء الإداري .

النمط البلجيكي: يأخذ بالتوحيد من الناحية الشكلية و بالازدواجية في التطبيق.

أما من حيث الأحكام فيوجد أسلوبان:

الأسلوب الفرنسي: يصدر الحكم متكونا من حيثيات ومنطوق مختصرا جدا (فرنسا، الجزائر، بلجيكا).

الأسلوب الألماني: أسلوب يمتاز بالتجريد الطويل شبه إنشائي يتضمن الحكم فيه مراجع وأحكام سابقة، ويشرح القاضي بإسهاب تأسيس القرار الذي اتخذ (ألمانيا، إيطاليا، سويسرا، اليابان).

القاعدة القانونية في النظام الرومانوجرماني:

القاعدة القانونية في هذا النظام هي أساس البناء القانوني، وتتميز بخصوصيتي التجريد والعموم، فهي خطاب يأمر بفعل معين أو الامتناع عنه، موجه إلى عامة الناس، ويتم صياغة القاعدة القانونية على ضوء الواقع العملي مع مراعاة اعتبارات العدالة والأخلاق والظروف السائدة في المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية ... وغيرها.

ويترتب على مخالفتها جزاء، فالقاعدة القانونية مجردة في نشأتها عامة في تطبيقها، ويميز هذا النظام بين القواعد القانونية الآمرة والمكملة، وبين القواعد القانونية الموضوعية والقواعد الإجرائية، وقد أقام عنصر التعميم والتجريد فيها رابطة بين التفكير النظري والتطبيق العملي، وتنحصر مهمة القاضي في تفسير القانون إن كانت آمرة، وقد تكون مكملة باقتصارها على التنظيم العام للتصرفات القانونية.

 

المحاضرة رقم 05، 06 للأسبوع الثالث، المدة: (02 ساعات)

يوم: ............... 2021

العنوان: الأنظمة القانونية الكبرى (تابـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع)

ثانيا: النظام الانجلوسكسوني

ثالثا: النظام الإسلامي

 

ثانيا: النظـــــــــــــــــــــــــام الانجلوسكســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوني.

وتسمى بمجموعة القانون العام، تتميز بقواعد خاصة تختلف اختلافا جذريا عن النظام القانوني اللاتيني الجرماني، وترجمة الكومن لو: أي القانون العام أو الشريعة العامة.

وتشمل هذه العائلة: القانون البريطاني(باستثناء اسكتلندا وهي تستعمل خليط بين القانون المشترك والقانون المدني على نموذجها الخاصة، والقانون الأمريكي(الولايات المتحدة باستثناء لويزيانا وهي تستعمل خليط بين القانون المشترك والقانون المدني على النموذج الفرنسي، كندا باستثناء كويبك خليط بين القانون المشترك والقانون المدني على النموذج الفرنسي)، وبعض الدول التي تأثرت بنظمها مثل أستراليا ونيوزيلندا. وهناك عدة دول تستخدم القانون المشترك بشكل جزئي أو ممزوجا مع تراث قانوني آخر، وهي في مجملها من البلاد التي خضعت في وقت من الأوقات للاستعمار البريطاني، مثل: جنوب إفريقيا، الهند، باكستان، السودان، ماليزيا، سنغافورة وهونغ كونغ.

وبما أن نشأة النظام الانجلوسكسوني وتطوره ترتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ إنجلترا، فإنه من المفيد التطرق أولا إلى تاريخ هذا النظام، للوقوف على مختلف الظروف والمحطات التاريخية التي أثرت فيه، ثم دراسة مصادره.

المطلب الأول: تاريخ القانون الانجليزي

مرّ تاريخ القانون الإنجليزي بمراحل رئيسية ثلاثة، يمكن إجمالها في المرحلة الأنجلوسكسونية، مرحلة نشأة النظام القانوني الانجليزي، مرحلة العصر الحديث:

الفرع الأول: المرحلة الأنجلوسكسونية

هي المرحلة التي سبقت الغزو النورماندي، تبدأ من القرن الخامس الميلادي، حين تعرضت إنجلترا إلى غزو قبائل جرمانية هي الانجلز والسكسكون، التي أزاحت حكم الرومان، الذي امتد ما يزيد عن أربعة قرون.

لم تترك هذه المرحلة بصمات واضحة على القانون الإنجليزي، بحكم أن تلك القبائل ظلت على اتصال وثيق بعادات وتقاليد موطنهم الأصلي.

باستقرار الانجلز والسكسون في انجلترا، اعتنقوا المسيحية على أيدي القديس أوغستين، بعدها أصدروا بعض القوانين لتنظيم جانب من علاقاتهم الاجتماعية؛ وما عدا هذا الجانب، فقد كانت حياتهم تحكمها الأعراف المحلية، وتنظر في منازعاتها محاكم تسُمى محاكم المناطق.

لم تكن المحاكم التي أنشئت في هذه الفترة تعرف وسائل التحقيق التي حددها القانون الروماني، كوسيلة التحقيق والاستجواب الشامل بواسطة هيئة من القضاة، وقد كانت وسائل الإثبات لديها بدائية وقاسية، تختارها القبيلة لمعرفة ما إذا كان المتهم بريئا أو مذنبا؛ من بين هذه الوسائل توجد وسيلة المحنة[1]، التي كان الحكُم بواسطتها يعتبر إلاهيا، بالإضافة إلى وسيلتيْ اليمين والمبارزة.

وبالموازاة مع محاكم المناطق، فقد تم إنشاء محاكم ذات طابع كنسي بعد انتشار المسيحية، تختص بالفصل في بعض المنازعات كالزواج والنسب والوصية والتفريق الجسماني، بالإضافة إلى محاكم تجارية تفصل في المعاملات ذات الطابع التجاري؛ التي تستند عند فصلها في المنازعات إلى الأعراف المستقرة في التعامل التجاري.

الفرع الثاني: مرحلة نشأة النظام القانوني الانجليزي

يتشكل النظام القانوني الإنجليزي من دعامتين رئيسيتينْ، نشأتا تباعا وفقا لمختلف الظروف التاريخية والسياسية التي عرفتها إنجلترا آنذاك؛ تتمثل الدعامة الأولى في الكومن لو الذي يعتبر الجزء الأساسي في هذا النظام، أما الدعامة الثانية فهي قواعد العدالة، التي كانت تنبع من ضمير الملك، وتعتمد إجراءات مختلفة عما كان سائدا في ظل الكومن لو.

أولا: مرحلة تكوين الكومن لو

1-               الغزو النورماندي: غزا النورمانديون إنجلترا سنة 1066 بقيادة الأمير ويليام، الذي انتهى على يديه حكم القبائل الانجلوسكسونية، وتأسس نظام الإقطاع في انجلترا وقد كان لهذا الغزو أهمية كبرى بحيث اعتبُر حدثا أساسيا في تاريخ القانون الإنجليزي، لأن "ويليام الفاتح" أقام في إنجلترا حكما مركزيا قويا غنيا بتجارب الحكم والتسيير التي حملها من "نورمانديا"، بحيث اعتبر نفسه المالك الأصلي لأرض إنجلترا التي فتحها، فاختار لنفسه ما شاء من مساحة، ثم قسم الباقي منها إلى مساحات صغيرة. وزعها على الرؤساء النورمانديين، وكان الهدف من توزيع مساحات صغيرة هو ألا يكتسب الإقطاعيون نفوذا ولا يكون بينهم قوي يمكن أن ينافسه، علما أن هذه الإقطاعات كانت تخضع لنظام حكم عسكري مرتبط به مباشرة.

2-               المحاكم الملكية ودورها في تكوين الكومن لو: وضع الملك سنة 1086 كتاب اليوم الآخر، الذي سطر فيه مجالات متعددة لحكم وتسيير المملكة، أهمها مجال الرقابة السياسية، الإدارية، وكذا الرقابة في مجال الضرائب. أما في المجال القضائي، فقد أنشأ مجلسا خاصا يضم أهم الشخصيات وأقربها إليه، وهو النواة التي تأسس عليها مجلس اللوردات؛ كان يقضي فيه في الشؤون المتعلقة بأمن وسلامة البلاد كالعصيان وقطع الطرقات، إضافة إلى المنازعات التي كانت تقع بين أمراء الإقطاع، وكان من عادة الملك أن يجوب أطراف مملكته رفقه أعضاء مجلسه الخاص ويعقد جلساته للفصل في بعض الخصومات كلما استدعى الأمر ذلك.

وقد انبثق عن هذا المجلس في القرن الثاني عشر مجموعة هيئات قضائية سُميت بالمحاكم الملكية، وهي: المحكمة المدنية، المحكمة المالية، المحكمة الجزائية.

للإشارة، فإن هذه المحاكم قد اعتبرت محاكم استثنائية بحكم أن اختصاصاتها قد تحددت بمنازعات معينة بدقة، أما المحاكم ذات الولاية العامة فهي محاكم المناطق ومحاكم الإقطاع، التي كانت تفصل في المنازعات استنادا إلى الأعراف المحلية. بسبب تعدد وتنوع أنواع المحاكم وتداخل صلاحياتها، فقد كان أمل الملوك الذين حكموا بريطانيا ابتداء من ويليام الفاتح، أن يكون لإنجلترا قانون واحد يخضع له جميع أفراد الشعب، وأن يؤسسوا نظاما قضائيا موحدا يحل محل مختلف أنواع المحاكم مثل محاكم المناطق والمحاكم الكنسية، وخاصة محاكم الإقطاع التي منحت الإقطاعيين نفوذا مبالغا فيه؛ من أجل ذلك بادروا إلى توسيع صلاحيات المحاكم الملكية بشكل لا يؤجج سخط الإقطاعيين عليهم، فمنحوا لأنفسهم حق الاستجابة لمن يتقدم إليهم من أجل دفع الظلم عنه، فكان إذا لجأ شخص إلى الملك يلتمس منه إنصافه من خصم بخصوص اعتداء خطير، يصُدر الملك أمرا كتابيا يأمر فيه المدعى عليه بالمثول أمام المجلس، فإن حضر المجلس، حكم الملك بضميره دون مراعاة للأعراف إذا كانت لا تنسجم ومقتضيات العدل الذي يوحي به ضميره، فإن رفض المثول فبإمكان الملك أن يأمر بإحضاره قسر ا ويحاكم بتهمة عصيان أمر الملك.

-       الإجراءات القضائية ودورها في معالجة جمود الكومن لو

لعبت الإجراءات دورا أساسيا في إعادة بعث الكومن لو والتخفيف من الجمود الذي حل به وعرقل تطوره، وجعلت اهتمام رجال القانون بها يفوق اهتمامهم بأصل الحق في الدعوى، حتى قيل إن الإجراءات تتقدم على الحق؛ يظهر ذلك بوضوح أنه حين عجزت المحاكم الملكية عن الفصل في المنازعات الجديدة إلا إذا كانت متشابهة بقضايا سبق أن صدر فيها أمر سابق على صدور مرسوم وستمينيستر الثاني، اهتدى رجال القانون إلى وسائل تقنية تمكنهم من استخلاص الشبه بين القضايا السابقة والقضايا الجديدة.

مثال ذلك قضية الإخلال بتنفيذ العقد، فبحكم أن هذه القضية لم يكن قد صدر بشأنها أمر كتابي، فإن المحاكم الملكية لم يكن من اختصاصها الفصل فيها، وقد ظل الفصل فيها من اختصاص عدة محاكم، بحيث تختص فيها محاكم الإقطاع ومحاكم المناطق لما يكون العقد مدنيا، وتنظر فيها المحاكم الكنسية إذا اقتصر الإثبات فيها على اليمين، بينما تنظر فيها المحاكم التجارية إذا كان أصل العقد هو تعامل تجاري.

ثانيا: مرحلة العدالة

تعتبر قواعد العدالة عنصرا جوهريا ودعامة أساسية يتشكل منها النظام القانوني الإنجليزي، وعليه فسندرسها في ثلاثة نقاط على التوالي من حيث ظروف تشكلها، أهميتها والتمييز بينها وبين الكومن لو.

مع تطور الزمن، جمد الكومن لو في حدود القضايا التي سبق أن قضت فيها المحاكم الملكية، ولم تفلح قواعده في مسايرة القضايا المستجدة؛ وكان هذا الوضع نتيجة حتمية للدقة المبُالغ فيها في الإجراءات الشكلية التي رفعت من درجة تعقيد القضايا، واحتمال ضياع الحق المرتبط بها، فضلا عن ارتفاع تكاليف التقاضي التي أرهقت المتقاضين، مما أدى إلى تحول المتقاضين من جديد إلى الملك يلتمسون منه العدل، وأخذ الملك يتقبل الالتماسات التي تقُدم إليه ويقضي فيها بالعدالة المطلقة التي تنبع من ضميره دون التقيد بأحكام القانون وإجراءاته.

بعد حرب الوردتين التي انتهت سنة 1485 بتولي أسرة tudor الحكم في إنجلترا، وبسبب تشعب القضايا وكثرتها، بحيث لم تعُد ظروف الملك تسمح له بالنظر فيما كان يرُفع إليه من قضايا، فأخذ يحيلها إلى مستشاره ليقضي فيها بالعدالة.

مكانة قواعد العدالة في النظام القانوني الانجلوسكسوني:

ترسخت الممارسة سالفة الذكر تدريجيا، ولم يكن ما يصدر عن المستشار أحكاما قضائية بالمفهوم الفني، في بداية الأمر لم تكن تلك الأوامر تهدف إلى قلع جذور قواعد الكومن لو بقدر ما كانت تهدف إلى سد ما به من ثغرات، وإتمام ما به من نقص، وتصحيح ما اعتراه من قصور، وتعديل ما طرأ عليه من أخطاء. وهكذا نشأت وتطورت قواعد جديدة، مستقلة وبسيطة، مرنة وموجزة ومتماشية مع ظروف العصر. وقد كانت هذه الأحكام تصدر وفقا لإجراءات محددة تحديدا دقيقا، تميزت أولا بتمتع المستشار بالسلطة التقديرية في قبول الفصل في المسائل التي تعُرض عليه، بحيث يشترط توافر شرطين أساسيينْ هما: أن يكون تصرف المدعى عليه مخالفا لما يوحي به الضمير، وألا يكون المدعي نفسه على خطأ في وجه من أوجه النزاع.

كما تميزت العدالة بغياب هيئة المحلفين وتركيزها في إجراءاتها على الطابع التحقيقي خلافا لنظام الكومن لو الذي يتبنى الطابع الحضوري.

التمييز بين الكومن لو والعدالة:

يمكن التمييز بين الدعامتين من خلال الزوايا التالية:

1-  من حيث التعريف: العدالة هي مجموع القواعد التي أقرتها محكمة المستشار ابتداء من 1485 وطبقتها لسد بعض ثغرات الكومن لو وإصلاح ما كان يظهر فيه من عيوب، أما الكومن لو فهو المنهج القانوني الذي تكوّن في إنجلترا منذ الغزو النورماندي 1066، والمنبثق عن أحكام المحاكم الملكية.

2-  من حيث الإجراءات: تتميز الإجراءات المتبعة في قواعد العدالة بأنها كتابية وتحقيقية، مع غياب هيئة المحلفين، خلافا للإجراءات لدى الكومن لو التي تتميز بأنها شفوية ووجاهية، مع اعتماد هيئة المحلفين.

3-  من حيث مضمون الحكم: تكتفي محاكم الكمون لو بالحكم بالتعويض على خاسر الدعوى، بينما تلزم محاكم العدالة المدعى عليه الذي خسر الدعوى بالتنفيذ العيني.

4-  من حيث المصطلحات المستعملة: تعبر محاكم الكومن لو عن النزاع المرفوع بين الأطراف باستعمال مصطلح "دعوى" بينما تسميه محاكم العدالة "الشكوى"، كما أن محاكم الكومن لو تستعمل عبارة "الحق" التي تعبر عنها محكمة المستشار باستعمال كلمة  "مصلحة".

5-  أما مصطلح "الحكم" الذي تستخدمه محاكم الكومن لو، فإن محكمة المستشار تستخدم بدلا عنه مصطلح "أمر".

الفرع الثالث: مرحلة العصر الحديث

أدت ازدواجية القضاء في إنجلترا إلى وضعٍ صعُب فيه على المتقاضين معرفة الجهة القضائية المختصة بالفصل في منازعاتهم، وقد أدى تأثير الأفكار الديمقراطية على المجتمع الإنجليزي من جهة، ودخول بريطانيا السوق الأوربية المشتركة من جهة ثانية إلى ظهور بوادر تغيير النظام القانوني الإنجليزي على المستويين القضائي والتشريعي.

أولا: مظاهر التغيير على مستوى التنظيم القضائي

ظهرت بوادر التبديل منذ 1873 تاريخ صدور قانون التنظيم القضائي، الذي ألغى التمييز بين المحاكم الملكية من حيث الاختصاص، وبينها وبين محكمة العدالة، وأصبح للمتقاضين حق اختيار الجهة القضائية التي يرفعون دعواهم أمامها، غير أن هذا الأمر منح قواعد العدالة أولوية التطبيق في حالة ما إذا تعارضت قواعد الكومن لو معها.

وفي نفس السياق، تم تعديل صلاحيات الهيئات القضائية المحلية التي تختص كمحكمة درجة أولى بالنظر في جميع الدعاوى، واستمرت حركة التحديث لتطال القواعد الإجرائية من أجل تبسيطها، وتم إنشاء هيئة النيابة العامة بموجب تعديل 1985، كما دعم التعديل الجديد عملية التمييز بين الأدلة التي يجب اعتمادها للإثبات في القضايا الجزائية وتلك التي تعُتمد للإثبات في القضايا المدنية.

ثانيا: مظاهر التغيير على مستوى التشريع

رغم أن حركة التشريع لم تصب القانون الإنجليزي في هذه المرحلة، بحيث ظل محافظا على طابعه التقليدي، إلا أنه تعرض للتغيير في الصميم، بحيث تم استبعاد القوانين غير المعمول بها والحلول القديمة التي لم تعد تتلاءم مع ضرورات العصر، وفي نفس الوقت تم تنسيق الأحكام المعمول بها وتصنيفها بترتيب في مجموعات منها التقارير القانونية ومجموعة القوانين الانجليزية.

كما أن بنية القانون الإنجليزي تختلف عن بنية القوانين ذات الأصول الأخرى، ذلك أن النظام الإنجليزي لا يعترف بتقسيم القانون إلى عام وخاص، وإنما يقسمه إلى كومن لو وعدالة، وفضلا عن اختلاف مفاهيمه ومصطلحاته، فإن مفهوم القاعدة القانونية يدل على غير ما يدل عليه مفهومها في الأنظمة الأخرى، فهي تصدر عن القضاء وهي أقل عمومية وتجريدا، كما أنها خالية من التمييز بين الآمر منها والمتمم، خلافا للقاعدة القانونية في النظام اللاتيني التي تصدر عن المشرع، وهي عامة ومجردة، وهي آمرة أو متممة.

إن اختلاف بنية القانون الإنجليزي من حيث مختلف جوانبها يعود إلى اختلافه في نمط تكوينه، ذلك أنه تكون من أحكام المحاكم الملكية ومحكمة المستشار، متأثرا بالطابع الإجرائي، أما التشريع فإنه يقتصر على تصحيح أو إتمام القانون القضائي.

مصادر القانون الإنجليزي: القضاء: يحتل القضاء المرتبة الأولى، ويليه التشريع، وفي المرتبة الأخيرة العرف والفقه.

ويتميز التنظيم القضائي في الدول التي تنتهج هذا النظام بوجود قضاء عالي، وقضاء أسفل، وأحكام القضاء العالي هي التي تشكل السوابق القضائية الملزمة، أما قرارات القضاء الأدنى فهي تؤثر على سير القضايا اللاحقة لكن تتمتع بالصفة الإلزامية، والملزم في القرار هو حكمة القرار، والقاضي هو الذي يكشف عن الحكمة، وتنشر السوابق القضائية في مجموعات خاصة.

أما التشريع فهو يحتل المرتبة الثانية، وهو يكمل البنية القانونية المتكونة أساسا من القضاء، ويتضمن التشريع الأساسي (الدستور) سواء كان مكتوبا أو عرفيا، كما يتضمن التشريع العادي، ووظيفة التشريع حماية الحقوق الأساسية والحد من تعسف السلطات، ولا يأخذ التشريع الصفة الملزمة إلا بعد تطبيقه من طرف القضاة.

خصائص القانون الانجليزي:

1-              عدم التقنين، الغالب على القانون الإنجليزي أنه قانون غير مقنن في مدونات قانونية تشتمل على مبادئه العامة، بخلاف بقية القوانين الغربية كالقانون الرومانوجرماني فهو قانون مقنن ومدون، غير أن هذا الأمر ليس على إطلاقه، إذ نلاحظ أن بعض القوانين الفرنسية غير مقننة، كالقانون الإداري، في حين أن بعض موضوعات القانون الإنجليزي مقننة، كقانون السرقة مثلاً.

2-             والطابع القضائي.

3-              غلبة الطابع الإجرائي.

4-             عدم التأثر بالقانون الروماني.

 

ثالثا: النظــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــام الإسلامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي.

يصنف الباحثون في مجال القانون المقارن النظام الإسلامي ضمن عائلة القوانين الدينية والاجتماعية، وقد استهوى هذا النظام الكثير من الباحثين الغربيين الذين اقتنع المنصفون منهم أن الشريعة الإسلامية تعُتبر مصدرا من مصادر التشريع العام وأنها شريعة حية مرنة قابلة للتطور وأنها قائمة بذاتها ليست مأخوذة من غيرها.

المطلب الأول: تعريف الشريعة الإسلامية

الشريعة: لغة: يراد بها المذهب والطريقة المستقيمة، وشرعة الماء، مورد الماء الذي يقصد للشرب.

اصطلاحا: يراد بها جميع الأحكام التي شرعها الله عز وجل لعباده عن طريق رسول من رسله. وسميت تلك الأحكام شريعة لاستقامتها وعدم اعوجاجها، والشريعة الإسلامية (نسبة إلى الإسلام) هي الأحكام التي شرعها الله تعالى لعباده على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.

وتنقسم أحكام الشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام، هي:

1-              أحكام اعتقاديه: وهي المتعلقة بذات لله تعالى وصفاته، وبالإيمان به وبرسله وباليوم الآخر ومافيه من حساب وثواب وعقاب.

2-              أحكام أخلاقية: وهي الأحكام المتعلقة بأمهات الفضائل كالصدق والوفاء والصبر والأمانة...

3-              أحكام عملية: وهي الأحكام المتعلقة بأعمال الإنسان، وهي نوعان:

3-أ - عبادات :وهي الأحكام الشرعية المتعلقة بأمر الآخرة، والتي يقصد بها التقرب إلى الله وحده كالصلاة والصيام، والزكاة، والحج ...

3-ب- المعاملات: وهي الأحكام المتعلقة بالإنسان وتصرفاته التي يقصد بها تحقيق المصالح الدنيوية، أو تنظيم علاقته مع فرد أو مجتمع، كالبيوع والرهن والشركة ...

-       التمييز بين الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي:

الشريعة هي نصوص القرآن الموحى به من الله تعالى إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والسنة النبوية، وهي أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله التي هي شرح وتفصيل لما أجمله القرآن، وتطبيق عملي لأوامره ونواهيه وإباحته، باعتبار أن كل ما يصدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون متصلا بتفسير الشريعة وتطبيقها وليس من عند نفسه، وإنما هو وحي من الله تعالى وفقا لقوله تعالى: "وما ينطق عن الهوى" سورة النجم الآية 04.

أما الفقه فهو ما يفهمه العلماء من نصوص الشريعة وما يستنبطونه من تلك النصوص، ويقررونه ويؤصلونه وما يضعون من القواعد المستمدة من دلالات النصوص؛ فالشريعة الإسلامية معصومة، أما الفقه فهو من عمل الفقهاء.

وعليه، يمكن القول التمييز بين الشريعة والفقه من زاوية أن الشريعة أعم وأشمل من الفقه على أساس أن الشريعة تشتمل على جميع الأحكام الشرعية المتعلقة بالعقيدة والأخلاق والعبادات والمعاملات، بينما لا يعني الفقه إلا بأحكام العبادات والمعاملات.

المطلب الثاني: خصائص الشريعة الإسلامية

تعتبر الشريعة الإسلامية خاتمة للشرائع الإلهية، ومقتضى جعلها خاتمة للشرائع الإلهية كمالُها وتمامُها ووفاؤُها بجميع حاجات البشر عبر الأزمنة والأمكنة. قال الله تعالى: "اليْوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الِإسْلاَمَ دِيناً" سورة المائدة الآية 03.

وللشريعة الإسلامية خصائص تميزها عن غيرها، يمكن إيجاز أهمها فيما يلي:

الفرع الأول: شريعة ربانية

إن جميع الشرائع الوضعية من صناعة البشر، بينما مصدر الشريعة الإسلامية هو الله سبحانه وتعالى، أنزلها بعلمه، وليس له في وضعها شريك ولا ظهير.

الفرع الثاني: الشمول

إن الشريعة الإسلامية نظام شامل من حيث الزمان، فهي لا تقبل نسخا أو تعطيلا، وهي الحاكمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

الفرع الثالث: العالمية

أراد الله تبارك وتعالى أن يكون الدين الإسلامي دينا لجميع البشر على اختلاف أماكنهم وأزمانهم، وأن تسع أحكام الشريعة الإسلامية الحياة الإنسانية جمعاء، لا تحدها حدود جغرافية، فهي نور الله الذي يضيء جميع أرض الله.

الفرع الرابع: اليسر ورفع الحرج

تبرز صفة اليسر ورفع الحرج في جميع أحكام الشريعة، وقد نص الشارع الحكيم على هذه الصفة في أكثر من موضع في كتابه الكريم، يقول الله تعالى: "يرُيدُ الله بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْر" سورة البقرة الآية 185.

وقد بلغ يسر الشريعة إلى درجة التخفيف من الواجبات عند وجود الحرج والسماح بتناول القدر الضروري من المحرمات عند الحاجة، وكذا إباحة التيمم عند فقدان الماء أو عدم القدرة على استعماله، وإباحة الفطر في نهار رمضان للمريض والمسافر.

الفرع الخامس: الجمع بين الثبات والمرونة

جمعت الشريعة بين نوعين من الأحكام، نوع ثابت لا يعتريه تغيير ولا تبديل باعتبار الأزمنة أو الأمكنة(كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم)، ونوع يخضع لظروف الزمان والمكان والأحوال وتغيير الأعراف، والعادات التي تعتبر المصلحة تابعة لها مع المحافظة على مبادئ الشرع وقواعده.

المطلب الثالث: مصادر التشريع الإسلامي ومبادئه.

مصادر التشريع الإسلامي المتفق عليها عند أهل السنة أربعة، هي القرآن الكريم، السنة النبوية، الإجماع والقياس، وكلها ترجع إلى أصل واحد هو القرآن، لأن حجية السنة المطهرة إنما جاءت من القرآن الكريم، وحجية الإجماع والقياس جاءت من القرآن والسنة.

المقصود بمصادر التشريع الإسلامي أدلته التي تقوم عليها أحكامه، وترجع مصادر التشريع إلى مصادر أصلية هي الكتاب والسنة، ومصادر تبعية أرشدت إليها نصوص الكتاب والسنة كالقياس والإجماع وغيرها.

مبادئ التشريع الإسلامي:

بني التشريع الإسلامي في بداية تكوينه الأول في عهد الرسول صلى ال ل ه عليه وسلم على أربعة مبادئ أساسية هي:

الفرع أول: التدرج في التشريع

شرعت أحكام الشريعة الإسلامية متدرجة من حيث الزمان أو من حيث أنواع الأحكام، فالأحكام التي شرعها الله ورسوله لم تشرع دفعة واحدة وإنما شرعت متفرقة على مدار فترة حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، مع تدرجها في تكليفهم وفقا لمسلك يساعدهم على تكوين استعدادهم بحسب مقتضى كل حدث وسببه، والحكمة من هذا التدرج هي تيسير معرفة هذه الأحكام وفهمها على أكمل وجه.

الفرع الثاني: التقليل من التقنين

يتجلى ذلك في أن الأحكام التي شرعها الله ورسوله لم تشرع إلا على قدر الحاجات التي دعت إليها والحوادث التي اقتضتها، ولم تشرع منها أحكام لحل مسائل افتراضية أو للفصل في خصومات محتملة.

الفرع الثالث: التيسير والتخفيف

يعتبر هذا المبدأ من أهم ما يميز الأحكام الشرعية، مصداقا لقوله تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"

وقوله: " يريد الله أن يخفف عنكم، وخلق الإنسان ضعيفا"، وقد ورد في صحيح السنة المطهرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما.

الفرع الرابع: مسايرة التشريع لمصالح الناس

وبرهان ذلك أن المقصود من تشريع الأحكام هو تحقيق مصالح الناس، لذلك فإن الأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما، ولذلك شرعت بعض الأحكام ثم أُّبطلت ونُسخت لما اقتضت المصلحة تعديلها، مثل مسألة تحويل القبلة في الصلاة من بيت المقدس إلى الكعبة.

المطلب الرابع: النظام القضائي في الإسلام

أقام الإسلام نظاما قضائيا على أساس العدالة والإنصاف، وقد أكد عليهما القرآن الكريم في الكثير من المواضع، يقول تعالى: " ...وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، وقوله: "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى"، وقوله جل وعلا: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان". وقد مر نظام القضاء في الدولة الإسلامية بتطورات هامة من عصر إلى آخر:

الفرع الأول: القضاء في صدر الإسلام

سيتم دراسة كيفية ممارسة القضاء في صدر الإسلام في نقطتين، أولهما عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني عصر الخلفاء الراشدين.

أولا: عصر الرسول صلى الله عليه وسلم: كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو القاضي الأول والمسؤول الوحيد عن القضاء، بحيث وضع أسس القضاء للدولة الإسلامية، وكان يحكم بين الناس وفقا للقرآن ال كريم، وبناء على ما ينزل عليه من الوحي، وقد اعتمد في إصدار أحكامه على البينة واليمين والشهود والكتابة، وقضى في الميراث والحدود وفي الشقاق بين الزوجين وفي الحضانة وغيرها.

ثانيا: عصر الخلفاء الراشدين: أسند الخليفة أبو بكر الصديق مهمة القضاء في المدينة إلى عمر بن الخطاب، فمكث عمر سنة في هذا المنصب ولم يأته متخاصمان لشدته وحزمه في الحق. أما في عهد الخليفة عمر بن الخطاب بحيث انتشر الإسلام وتوسعت حدود الدولة الإسلامية واختلط العرب المسلمون بالأعاجم، الأمر الذي تطلب تعيين قضاة ينوبون عن الخليفة في الأقاليم والمناطق البعيدة عن مركز الخليفة، وبذلك عين عمر بن الخطاب القضاة في الولايات، وكانوا مستقلين عن الولاة ليحافظوا على النظام وعدم دمج المصالح السياسية بالمسائل القضائية. لقد سار عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب على نفس النهج الذي انتهجه عمر بن الخطاب، فعينوا القضاة في مختلف الولايات.

الفرع الثاني: القضاء في العصر ين الأموي والعباسي

لم يباشر خلفاء العصر الأموي القضاء بأنفسهم وقلدوا غيرهم لأداء هذه المهمة، وذلك لانشغالهم بالجهاد والفتوحات والأمور السياسية، ولقد كان القضاة يحكمون بما يوحيه إليهم اجتهادهم، إذ لم تكن المذاهب الفقهية الأربعة، فكان القاضي يرجع إلى القران ال كريم والسنة النبوية والإجماع والقياس ليفصل في الخصومات بين الناس. ومن أهم التطورات التي طرأت في العصر الأموي، هي تسجيل الأحكام التي كان يصدرها القضاة في سجلات خاصة وتحفظ للرجوع إليها إذا لزم الأمر.

وقد شهد القضاء في العصر العباسي تطورا بارزا، وأصبح القضاء متأثرا بالأهواء السياسية، إذ اعتمد بعض الخلفاء على حمل القضاة للسير وفق رغباتهم، فأصبح القضاء أداة للخليفة لتسيير سياسته، مما دفع ال كثير من الفقهاء إلى الامتناع عن تولي منصب القضاء، وكان أبرزهم أبو حنيفة النعمان. إضافة إلى ظهور منصب قاضي القضاة، الذي كانت وظيفته تعيين القضاة في الأقاليم ومناطق الدولة الإسلامية. وكان أول من عين في هذا المنصب القاضي أبو يوسف يعقوب أبو إبراهيم، بحيث كان يطوف ويتفقد أحوال القضاة، وقد أجبرهم على لبس لباس خاص بهم يميزهم عن الناس.

وبالإضافة إلى ازدياد عدد القضاة في كل ولاية، بحيث أصبحت في كل ولاية أربعة قضاة يمثلون المذاهب السنية الأربعة، فقد اتسعت سلطة القاضي في هذا العصر فأصبح يفصل في الدعاوي والأوقاف، وغيرها من القضايا، بالإضافة إلى فصله في الخصومات المدنية والمخالفات الجنائية.

المطلب الخامس: تخصص القضاء

تميز عصر الخلافة الإسلامية بتخصص القضاء، تأكيدا على ضرورة إقامة العدل داخل المجتمع، تجلى ذلك في إنشاء هيئات قضائية أو شبه قضائية متخصصة، نتناول منها على سبيل المثال قضاء المظالم ونظام الحسبة.

الفرع الأول: قضاء المظالم

هو نوع خاص من القضاء، يقوم بالفصل في التظلمات والخصومات التي يكون أحد طرفيها أو كلاهما من ذوي القوة والجاه والنفوذ سواء استمد ذلك من عمله الوظيفي الذي يقوم به أو بسببه أو بأي سبب.

صلاحيات ناظر المظالم: النظر في تعدي الولاة على الرعية، وأخذهم بالعسف في السيرة، جور العمال فيما يجبونه من الأموال، كُتّاب الدواوين، أمناء المسلمين على ثبوت أموالهم فيما يستوفونه منه، تظلم المسترزقة من نقص أرواقهم أو تأخرها عنهم، النظر بين المتشاجرين والحكم بين المتنازعين، مراعاة العبادات الظاهرة كالجمعة والأعياد والحج والجهاد من تقصير فيها وإخلال بشروطها...

 

الفرع الثاني: نظام الحسبة

الحسبة هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا أظهر فعله. تطبيقا لقوله تعالى: " ولتْكُنْ منْكُمْ أُّمَّة يدْعُون إلى الْخير ويأْمُرُون بالْمعْروُف وينْهوْن عن الْمنُكر"، ورغم تباين آراء الباحثين والفقهاء حول طبيعة الحسبة، بين من يعتبرها وظيفة دينية أو وظيفة إدارية أو وظيفة اجتماعية أو وظيفة ضبطية، فقد عدُت الحسبة من القضاء، بحكم أنها تقوم على أساس وظيفة الاتهام، فالمحتسب ينظر في بعض الدعوى المتعلقة بحقوق الأفراد التي ترُفع إليه أو تصل إلى علمه من دون أن ترُفع؛ تتعلق هذه الدعاوى بالغش والتدليس في البيع والشراء والتطفيف في الكيل او الميزان، أو التي تتعلق بتماطل المدينين مع القدرة على الوفاء، وعلى العموم كل ما يتصل بالحقوق المعترف بها مما ليس في ه سماع بينه و تحقيق شهادة.

مهام المحتسب: مراقبة التجار وأصحاب الحرف: أي مراقبة عمل هؤلاء ال كيفية تأدية الخدمات بالوجه الشرعي والصحيح، مراقبة الأسعار والموازين والمقاييس: بحيث يمنع الغش والزيادة أو النقصان في الكيل أو السعر، وكذلك يقوم بمنع التدليس )إخفاء عيب السلعة)، مراقبة الأخلاق العامة: بحيث يقوم المحتسب بمنع شرب الخمر علنا، ومنع الناس من ممارسة أعمال السحر والشعوذة وكذلك يمنع مضايقة النساء في الطرقات والأزقة، مراقبة العبادات: بحيث يقوم المحتسب بمراقبة تنفيذ الصلوات في أوقاتها وخاصة صلاة الجمعة وصلاة العيد، ويهتم كذلك بنظافة المساجد والحفاظ عليها. ....

 



[1]  تعددت أوجه المحنة بحيث كان يفُرض على المدعى عليه أن يقبض على قطعة من المعدن الملتهب، أو أن يضع يده داخل وعاء به سائل يغلي، ثم تضمد يده وتفحص بعد ثلاثة أيام، فإن شُفي خلالها فهو بريء وإلا فهو مذنب. ومن بين أوجه المحنة كذلك محاكمة المتهم عن طريق المياه الباردة، والتي كانت من بين وسائل الإثبات المفضلة في إنجلترا، بحيث يلُقى المتهم داخل النهر وهو مقيد اليدين والقدمين، فإن غاص كان بريئا وإن طفا على السطح فهو مذنب، على أساس أن الماء هو عنصر مقدس يرفض قبول الشخص المذنب.