المحاضرات عن بعد في مقياس القانون الدولي الخاص السداسي الثاني تنازع الاختصاص القضائي  والجنسية

الأستاذ. ع. دربال

أولا. الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الجزائرية

سبق أن أشرنا إلى وجود منهجين في القانون الدولي للخاص يتم على أساسهما حل التنازع المكاني للقوانين، هما منهج التنازع، و هو لا يعطي الحكم الموضوعي للنزاع المطروح بل يعين القانون الواجب التطبيق فحسب. كما أن هناك منهج القواعد المادية، و فيه يضع المشرع القواعد الموضوعية التي تحكم النزاع. و ميزة المنهج الأخير، أن المشرع يضع قاعدة موضوعية يحدد من خلالها متى تكون الهيئات القضائية الجزائري فحسب -عكس ما رأيناه في منهج التنازع أين يترتب على قاعدة التنازع الجزائرية إما تطبيق القانون الجزائري أو القانون الأجنبي- مختصة بنظر النزاع، و إقرار التحكيم التجاري الدولي، كما يحدد متى يكون الشخص جزائري الجنسية، و يحدد أيضا حقوق و التزامات الأجانب الموجودين على التراب الجزائري.

 

و عليه يقصد بتنازع الاختصاص القضائي الدولي، تحديد المحكمة المختصة دوليا بنظر النزاع؛ بين أن تكون محكمة وطنية أو أجنبية، كما يتعين معرفة القانون الواجب التطبيق من حين رفع الدعوى إلى حين الفصل فيها.

إن المبدأ المستقر عليه في القانون الدولي الخاص، هو استقلال الاختصاص القضائي عن الاختصاص التشريعي. أي أن الاختصاص القضائي لدولة معينة لا يعني بالضرورة اختصاص قانون تلك الدولة أيضا بالفصل في النزاع.

ذلك أنه لو تلازم الاختصاصان القضائي و التشريعي لتعين على الخصوم رفع دعاويهم أمام المحاكم التي تعد قوانينها هي الواجبة التطبيق، و في ذلك مشقة كبيرة كما لا يخفى.

و مع ما قيل، و نظرا لسيادة مبدأ إقليمية القوانين فيما مضى، وقبل ظهور نظرية الأحوال، فإن كل دولة كانت تطبق قوانينها فحسب على إقليمها. و يعني ذلك أننا هنا أمام تلازم تام بين الاختصاصين التشريعي و القضائي. على أن بعض مظاهر هذا التلازم قائمة في عدد من الفروض كما في المسائل المتعلقة بإجراءات التقاضي و التنفيذ الجبري؛ إذ الأمر فيهما يخص سير مرفق عام، و كل ما يتعلق بإجراءات البوليس و الأمن؛ و من هذه، الإجراءات الوقتية و التحفظية؛ كجرد الأموال و وضع الأختام عليها و تعيين حارس قضائي عليها، كما يقع تلازم حينما يتعين تطبيق قاعدة وطنية لكونها تتعلق بالنظام العام. مثال ذلك أن تسلم زوجة أجنبية دون زوجها، فإنه تختص المحاكم الوطنية بطلب التفريق بينهما؛ إذ الأمر يتعلق عندنا [أي في الدول الإسلامية] بالنظام العام الذي يقضي بعدم جواز زواج المسلمة من غير المسلم. أو حينما ينعقد الاختصاص للقانون الأجنبي، إلا أن أحكامه تتعارض مع النظام العام لدولة القاضي، كما يقع تلازم بين الاختصاصين بصدد المنازعات العقارية.

 

الاختصاص العام للمحاكم الجزائرية.

نص المشرع الجزائري م:41 إج.م.إ، "يجوز أن يكلف بالحضور كل أجنبي، حتى و لو لم يكن مقيما في الجزائر، أمام الجهات القضائية الجزائرية، لتنفيذ الالتزامات التي تعاقد عليها في الجزائر مع جزائري. كما يجوز أيضا تكليفه بالحضور أمام الجهات القضائية الجزائري بشأن التزامات تعاقد عليها في بلد أجنبي مع جزائريين"، و نص في م:42 إج.م.إ، "يجوز أن يكلف بالحضور كل جزائري أمام الجهات القضائية الجزائرية بشأن التزامات تعاقد عليها في بلد أجنبي، حتى و لو كان مع أجنبي".

يتضح من النصين السابقين، أن القضاء الجزائري يختص بنظر النزاع المتضمن عنصرا أجنبيا متى كان أحد الخصمين على الأقل جزائريا. و الحكم كذلك بالنظر إلى المنازعات التي يكون طرفاها أجنبيان أيضا، و هذا متى وجد ضابط اختصاص للقضاء الجزائري كما سيأتي معنا.

أما وفق أي قواعد اختصاص يتم تحديد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الجزائرية، فإنه منذ صدور قرار محكمة النقض الفرنسية لسنة 1959 صار يعتمد على قواعد الاختصاص القضائي الإقليمي الداخلية في المنازعات الدولية التي يكون أطرافها كلهم أجانب، كالموطن و مكان إبرام العقد و مكان المال المنقول يوم رفع الدعوى أمام المحاكم الوطنية لمعرفة مدى اختصاصها. و ينبني على ما سبق، أن قواعد الاختصاص الإقليمي الداخلية تؤدي - كقاعدة عامة - إلى جعل القضاء الوطني مختصا دوليا، كما تحدد المحكمة المختصة داخليا لنظر النزاع.

الفرع الأول. قواعد اختصاص المحاكم الجزائرية بصدد المنازعات الدولية

يمكننا القول، من الآن، أن ضوابط الاختصاص تتمثل عموما في موطن المدعى عليه و موقع المال و محل و مصدر الالتزام او محل تنفيذه، و الخضوع الإرادي لجهة قضائية معينة، و النظام العام. و مثل هذه الضوابط يتحدد مفهومها وفق قانون القاضي.

القاعدة العامة في الاختصاص. موطن أو محل إقامة المدعى عليه

تنص م:37 إج.م.إ، "يؤول الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه، و إن لم يكن له موطن معروف، فيعود الاختصاص للجهة القضائية التي يقع فيها آخر موطن له، و في حالة اختيار موطن، يؤول الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التي يقع فيها الموطن المختار، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.".

و في حالة الشخص المعنوي، فإن الاختصاص الإقليمي، في دعاوى الشركاء فيما بينهم، يعود إلى المحكمة التي يقع بدائرتها المقر الاجتماعي للشركة. و على هذا الأساس، متى كان هذا المقر موجودا بالجزائر، عاد الاختصاص للقضاء الجزائري

القواعد الخاصة في الاختصاص

من ذلك أن دعاوى الطلاق ، و العودة إلى مسكن الزوجية فالمحكمة المختصة هي التي يقع بدائرة اختصاصها مسكن الزوجية و في موضوع الحضانة، و حق الزيارة، و الرخص الإدارية المسلمة للقاصر المحضون، تتولى نظر مثل هذه النزاعات، محكمة المكان الذي تمارس به الحضانة، و في منازعات عقد العمل بين صاحب العمل و الأجير، تكون المحكمة المختصة، هي تلك التي أبرم أو نفذ عقد العمل في دائرة اختصاصها أو محكمة موطن المدعى عليه. و ينعقد الاختصاص الدولي للمحاكم الجزائرية، متى كان تنفيذ العقد قد تم في الجزائر، متى تعلق الأمر بتقديم خدمات طبية، أو علاج.

و في دعاوى الإفلاس و التسوية القضائية، كتلك التي يرفعها الدائنون على وكيل التفليسة، أو التي يرفعها الأخير على مدين المفلس للمطالبة بالدين الذي عليه، يكون القضاء الجزائري مختص دوليا بنظر النزاع، متى كان طلب الإفلاس (أي افتتاح الإفلاس)، أو أن التسوية القضائية قد تم في الجزائر. و في  دعاوى تعويض الضرر الناشئ عن جريمة (جناية كانت أو جنحة او مخالفة) أو عن أي فعل ضار، تختص بها المحاكم الجزائرية، متى كانت الجزائر هي محل وقوع الفعل الضار إلخ.

و في حالات أخرى يكون اختصاص المحاكم الجزائرية إلزاميا كما في النزاعات الخاصة بالعقارات تخضع إلى اختصاص المحكمة التي يوجد بدائرتها العقار، و كذا كل ما يتعلق بالتنفيذ على الأموال، عقارية كانت أو منقولة. كما  ينعقد الاختصاص للمحاكم الجزائرية دون غيرها في كل ما يتعلق بالإجراءات التحفظية و الوقتية.

قواعد الاختصاص الاستثنائية (أي تلك المبنية على الجنسية)

و نصت على هذا النزاع من الاختصاص م:41 و 42 إج.م.إ. و بذلك تختص المحاكم الجزائرية بنظر الدعاوى التي يكون أحد أطرافها جزائريا، سواء كان مدعيا أو مدعى عليه. و للاستفادة من الامتياز يجب أن يكون أحد الطرفين (أي طرفي النزاع) جزائريا على الأقل، و أن هذه الجنسية يعتد بها وقت رفع الدعوى لا وقت نشوء الحق.

هذا، و يشمل الامتياز جميع الدعاوى، سواء تعلقت بالتزامات عقدية أو غير عقدية. بل و يشمل الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية. و تستثنى دعاوى الأموال العقارية، و طرق التنفيذ. أما المحكمة المختصة داخليا في تلك الأحوال، فهي اعتماد ضوابط الاختصاص الداخلية و إلا فللمدعي الحق في رفع دعواه أمام أية محكمة داخلية بشرط أن لا يكون في الاختيار تعسفا أو غشا؛ قاصدا عدم تمكين المدعى عليه من الدفاع عن نفسه. و مع ما سبق فإنه يجوز التنازل عن الامتياز، من جانب المدعي الجزائري، و للجزائري و الأجنبي أيضا، في الحالة الأخرى. و التنازل كما يكون صريحا، بالنص عليه في بند معين بين الخصمين، فإنه يكون ضمنيا من ذلك رفع المدعي الجزائري دعواه أمام محاكم أجنبية. و يترتب على التنازل أن يصبح القضاء الجزائري غير مختص بنظر النزاع.

كما أجاز المشرع للخصوم الإفلات من الاختصاص القضائي للمحاكم الجزائرية، إما باختيار الجهة القضائية التي ترفع أمامها المنازعة "يجوز للخصوم الحضور باختيارهم أمام القاضي، حتى  و لو لم يكن مختصا إقليميا. يوقع الخصوم على تصريح بطلب التقاضي، و إذا تعذر التوقيع يشار إلى ذلك. يكون القاضي مختصا طيلة الخصومة، و يمتد الاختصاص في حالة الاستئناف إلى المجلس القضائي التابع له"، و إما بالاتفاق على اللجوء إلى أسلوب التحكيم لفض المنازعة

القانون المختص بمسائل المرافعات أو الإجراءات

يقصد بالإجراءات مجمل الأشكال التي يتم بموجبها تقديم طلب إلى المحاكم و الدفاع و التحقيق في الخصومة و الفصل و الطعن فيما يصدر عن المحاكم من أحكام. و في هذا الشأن، نص المشرع الجزائري في م:21 مكرر من القانون المدني "يسري على قواعد الاختصاص و الإجراءات قانون الدولة التي ترفع فيها الدعوى أو تباشر فيها الإجراءات".

فالمبدأ العام أن إجراءات التقاضي تخضع لقانون القاضي. و ما يبرر ذلك، أن الأمر يتعلق بالقضاء، الذي يعبر عن سيادة الدولة، ثم إن الإجراءات القضائية ليست إلا أشكالا و هذه تخضع لبلد الإبرام. على أن ذلك لا يسري على  أهلية التقاضي إذ يسري عليها قانون جنسية الشخص، و كذلك الصفة دون المصلحة التي تخضع إلى القانون الذي يسري على إجراءات التقاضي؛ أي قانون القاضي، و كذلك الحال مع مواعيد المرافعات، دون مواعيد تقادم الحقوق، فمتى تعلقت بحقوق عينية، فإنها تخضع  لنفس القانون الذي يسري على المال المتعلقة به، أما التقادم الذي يسري على الحقوق الشخصية، فتخضع للقانون الذي يخضع له موضوع العقد، متى تعلق التقادم به، و متى تعلق بحقوق ناشئة عن فعل ضار أو نافع خضعت لقانون الموقع.

و يسري على التكليف بالحضور قانون القاضي، و هذا ما لم تكن هناك اتفاقية دولية نافذة في الجزائر؛ و ما يقال عن التكليف بالحضور، يصدق أيضا على تبليغ أجنبي بحكم قضائي أو تبليغه بطعن قضائي معين. أما عبء و محل الإثبات فهي تتعلق بمسائل الموضوع لا بمسائل إجرائية، ففي إطار المسئولية التقصيرية، فإننا نطبق القانون المحلي و في إطار العقود، فإنه يجب تطبيق قانون العقد، و في الحقوق العينية الواردة على مال معين، نطبق قانون موقع المال. و يسري على إجراءات تقديم الأدلة قانون القاضي باعتبارها من صميم الإجراءات. كما يسري نفس القانون على القواعد التي تنظم الحكم في الدعوى و آثاره كوجوب تبليغه و مدى حجيته وطرق الطعن.

 آثار الأحكام القضائية الأجنبية.

و النظام المتبع في القانون الفرنسي والقانون الجزائري، يسمح بالتنفيذ، لكن بعد تحقق جملة من الشروط. فيشترط في الحكم الأجنبي، أن يصدر باسم سيادة دولة معترف بها، لا إسرائيل مثلا و أن يصدر في نزاع يتعلق بالقانون الخاص، حتى  ولو صدر عن قضاء جزائي. أما سلطات قاضي التنفيذ (أو شروط تنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية). فبالنظر إلى القضاء الفرنسي، فإنه يلاحظ أنه مر بمرحلتين تسميان المراجعة و المراقبة.

أولا. مرحلة نظام المراجعة.   من شروطه

·         أن يكون الحكم الأجنبي قد صدر عن محكمة مختصة طبقا لقواعد الاختصاص القضائي الدولي الفرنسية،

·         أن يكون القاضي الأجنبي قد طبق نفس القانون الذي تشير إلى تطبيقه قاعدة الإسناد الفرنسية،

·         أن لا يكون الحكم الأجنبي مخالفا للنظام العام الفرنسي،

·         أن لا يكون الحكم الأجنبي مشوبا بإنكار صارخ للعدالة، أو مجافيا للعدالة.

و بمناسبة الشرط الرابع، سمح القضاء الفرنسي لنفسه بإعادة النظر أي مراجعة، بصدد موضوع المنازعة، في الحكم الأجنبي برمته، للتحقق من أن الفصل في النزاع، كان سليما من جهة الموضوع. و نظرا لمساوئ هذا النظام تم التحول إلى نظام المراقبة سنة 1964. أما الشروط الواجب توافرها في الحكم الأجنبي، فهي إجمالا:

·         أن يكو ن الحكم الأجنبي قد صدر عن محكمة مختصة طبقا لقواعد الاختصاص القضائي الدولي،

·         أن لا يكون في الحكم الأجنبي مساس بالنظام العام في دولة قاضي التنفيذ،

·         أن تكون المحكمة الأجنبية قد اتبعت إجراءات صحيحة بصدد إصدارها الحكم، و هذا ألغي فيما بعد

·         أن لا يكون الحكم الأجنبي قد حصل عليه نتيجة غش نحو القانون،

·         أن يكون القاضي الأجنبي قد طبق نفس القانون الذي تشير إليه قاعدة الإسناد الفرنسية، و هذا ألغي فيما بعد.

هذا و قبل تفصيل الشروط السابقة، نشير أن موقف المشرع الجزائري يتجلى من خلال نص م:605 إج.م.إ، التي تقضي "لا يجوز تنفيذ الأوامر و الأحكام و القرارات الصادرة من جهات قضائية أجنبية، في الإقليم الجزائري، إلا بعد منحها الصيغة التنفيذية من إحدى الجهات القضائية الجزائرية متى استوفت الشروط الآتية:

1  ألا تتضمن ما يخالف قواعد الاختصاص،

2 حائزة لقوة الشيء المقضي به طبقا لقانون البلد الذي صدرت فيه،

3 ألا تتعارض مع أمر أو حكم أو قرار سبق صدوره من جهات قضائية جزائرية، و أثير من المدعى عليه،

4 ألا تتضمن ما يخالف النظام العام و الآداب العامة في الجزائر.".

هذا و الشروط السابقة في نظام المراقبة يعتد بها وقت إجراء المراقبة من القضاء. ففي إطار شرط الاختصاص فإن مراقبة الاختصاص القضائي الدولي للمحكمة الأجنبية، و بالنظر إلى الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الجزائر، نجدها اعتمدت قواعد اختصاص دولة الإصدار، و قواعد اختصاص دولة التنفيذ. فضلا عن ذلك، اعتمدت الاتفاقيات أيضا حلا ثالثا، يفرق بين ما يطلق عليه الاختصاصات المانعة و غيرها. فبينما تتم الرقابة وفق قواعد الاختصاص الجزائرية حينما يتعلق الأمر بالاختصاصات المانعة، نجد الرقابة تعتمد قواعد اختصاص دولة الإصدار، حينما يتعلق الأمر بالاختصاصات غير المانعة. و الاختصاص المانع أو الوجوبي للقضاء الجزائري يكون في عقود العمل و التأمين التي تتم في الجزائر أو حينما يتعلق الأمر بمنازعات عقارية و العقار موجود في الجزائر أو حينما يتعلق الأمر بطرق التنفيذ التي تتم في الجزائر كالحجوز. و غير ما سبق يختلف الفقه في ما إذا نحن بصدد اختصاص مانع أو جوازي فقط كالاختصاص المبني على الخضوع الاختياري و ذلك المبني على الجنسية. أما شرط الاختصاص التشريعي. يقصد بهذا الشرط أن تكون المحكمة الأجنبية قد طبقت على قضية النزاع، نفس القانون الذي تشير إليه قاعدة الإسناد الوطنية (أي المطلوب منها تنفيذ الحكم الأجنبي). و هذا تم التخلي عنه من القضاء الفرنسي. أما شرط عدم مخالفة النظام العام و الآداب العامة فكما يمتنع تطبيق القانون الأجنبي بداعي مخالفة النظام العام، فإن مخالفة الحكم الأجنبي للنظام العام، يكون مانعا من تنفيذه. كما يمتنع تنفيذه عند وجود عيب الغش نحو القانون. و يقصد بهذا الشرط أن يتم الحصول على حكم في دولة معينة لأجل الاحتجاج به و تنفيذه في دولة القاضي، علما أنه لا يمكن الحصول على ذات الحكم مباشرة من دولة القاضي (أي دولة التنفيذ) فيما لو عرض عليها النزاع من أول مرة. و المثال التقليدي هو الحصول على حكم بالطلاق بالإرادة المنفردة من الزوج في دولته الوطنية (كالجزائر) ثم طلب الاعتراف به أو تنفيذه في دولة الاحتجاج أو التنفيذ (كفرنسا).  أما شرط سلامة الإجراءات المتبعة فالقضاء الفرنسي تخلى عنه أيضا ليدمج في شرط النظام العام الإجرائي. أما عدم سبق صدور حكم من القضاء الوطني فهو شرط يقر بعض الفقه ضرورته، و إن كان المشرع الجزائري قد نص عليه صراحة في م:605/3 إج.م.إ. و يقصد به أن لا يكون هناك تعارض بين الحكم الأجنبي من جهة و حكم أو قرار سبق صدوره من الجهات القضائية الجزائرية من جهة أخرى. و يشترط فوق هذا التعارض أن يثير ذلك التعارض المدعى عليه. و بالتالي لأجل القبول بتنفيذ الحكم الأجنبي، يجب أن لا يكون قد صدر حكم نهائي في الجزائر يتعارض مع الحكم الأجنبي، أو يتعارض مع حكم أجنبي آخر حصل [أي الحكم الأجنبي] على الصيغة التنفيذية. أما إجراءات تنفيذ الحكم الأجنبي فإنه يقصد بإجراءات التنفيذ، الدعوى التي يرفعها صاحب الشأن، ليجعل الحكم القضائي الأجنبي متمتعا بالصيغة التنفيذية؛ أي تجعله قابلا للتنفيذ على التراب الجزائري. فيتم بتقديم طلب تنفيذ حكم أجنبي بموجب دعوى أصلية ترفع وفق الطرق المعتادة في رفع الدعاوى. و يتثبت القاضي الوطني، حينها، تلقائيا، من توافر شروط التنفيذ السابق ذكرها. و تختص بهذه الدعوى، المحكمة المنعقدة بمقر المجلس القضائي، حيث يوجد موطن المنفذ عليه أو محل التنفيذ. و ينعقد الاختصاص للمحكمة المذكورة، مهما كانت درجة المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم أو القرار (أي سواء محكمة ابتدائية أو استئنافية أو نقض). و رفض الصيغة التنفيذية، لا يمنع المتقاضي من الادعاء من جديد في الموضوع. و يخضع الحكم الصادر في دعوى طلب التنفيذ، لنفس طرق الطعن المعتادة في الأحكام الوطنية.

 

 

 

ثانيا. الجنسية

تعريف الجنسية

الجنسية رابطة سياسية و قانونية بين الفرد و دولته توجب عليه الولاء لها و توجب عليها حمايته و منحه المزايا المترتبة على هذه الرابطة، و للمشرع في تحديد من يتصف بالجنسية و من يجوز منحه إياها، سلطة واسعة تمليها اعتبارات سيادة الدولة و المصلحة العليا للوطن.

أهمية الجنسية

لتحديد جنسية الشخص أهمية خاصة في المجال الداخلي. ذلك أن الحقوق و الالتزامات التي يتمتع بها الوطني ليست هي نفسها التي للأجنبي كالترشح و الانتخاب و تولي الوظائف. كما أن إعمال قواعد تنازع القوانين او تنازع الاختصاص القضائي الدولي يتوقف أحيانا على تحديد جنسية الشخص كتحديد القانون الواجب التطبيق على مسائل الأحوال الشخصية و كذلك في تحديد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الجزائرية.

مكان الجنسية من فروع القانون.

إن القانون المدني الفرنسي لسنة 1804 تضمن نصوص الجنسية، هذا الوضع دفع بعض الفقه إلى القول أن الجنسية فرع من فروع القانون الخاص، ثم إن الجنسية تمنح بالزواج، و منازعاتها من اختصاص القضاء العادي لا الإداري. ظل الوضع، إلى سنة 1921 حيث صدر قرار محكمة النقض الفرنسية قضت فيه أن الجنسية من مسائل القانون العام لا الخاص، كما ذكر الفقه الفرنسي أن الجنسية وردت بعد ذلك في قانون مستقل، كما أن الجنسية ترتب آثارا تتعلق بالقانون العام، كالحقوق السياسية كما أن التجنس و استرداد الجنسية يكون بموجب مرسوم رئاسي.

لكن مع ذلك يجب أن نقر أيضا ان بعض أحكام الجنسية تقربها أكثر من القانون الخاص. من ذلك أن منازعات الجنسية يختص بنظرها القضاء العادي كما ان المشرع يعتمد في منحه الجنسية على رابطة الدم أو القرابة و المشرع يعتمد أيضا في إثبات الجنسية على ما يطلق عليه بحيازة الحالة الظاهرة، و هي نظرية من القانون المدني. فالجنسية بهذا تتصل بالقانون العام و الخاص معا.

و الجنسية في طبيعتها القانونية ليست رابطة عقدية، لكون الفرد هو من يعبر عن إرادته قصد اكتساب تلك الجنسية كما في طلب التجنس، أو تكون إرادته مفترضة؛ و هذا ما يحدث بالنسبة إلى الشخص الذي يولد على إقليم دولة معينة؛ إذ تبنى الجنسية هنا على إرادة انتماء مفترضة للطفل فيما لو أمكنه التعبير عنها. على أن الرأي السليم هو أن الجنسية ذات طبيعة قانونية فالشخص تفرض عليه الجنسية بميلاده بحكم القانون - بناء على حق الدم أو الإقليم – دون اعتداد بإرادته. ثم إن الدولة لها أن تجرده منها بإرادتها، و الدولة التي يمكنها منح الجنسية، هي الدولة باعتبارها أحد أشخاص القانون الدولي العام، أي صاحبة سيادة، لا هيئات دولية مثل هيئة الأمم المتحدة و نفس الشيء ينطبق على ولايات دولة الولايات المتحدة الأمريكية. هذا و الدول إن كانت حرة في تنظيم قواعد جنسيتها؛ إلا أن ذلك قد ترد عليه قيود، من ذلك حق الفرد في التمتع بجنسية و حقه في تغييرها، و عدم تجريده منها بطريقة تحكمية، و كذا حق المرأة في أن لا تتأثر بجنسية زوجها لمجرد الزواج.

مصادر الجنسية.

أهم مصادر الجنسية هو التشريع، و الجزائر فور حصولها على استقلالها، بادرت إلى وضع أول قانون للجنسية القانون رقم 63-96 المؤرخ في 27/03/1963. و كان قانون الجنسية هذا مؤقتا؛ ذلك أن اتفاقية إيفيان تولت بيان وضع الفرنسيين الذين كانوا موجودين في الجزائر، و ذلك بأن منح لهم حق الاختيار – خلال فترة 03 سنوات – بين بقائهم على جنسيتهم الفرنسية، أو طلب الانضمام إلى الجنسية الجزائرية. ثم تدخل المشرع الجزائري في سنة 1970 بحيث أصدر قانونا آخر للجنسية و هذا بموجب الأمر 70-86 المؤرخ في 15/12/1970 الذي حل محل الأول. أما المصادر الدولية فيقرر الفقه بهذا الصدد، أن المصادر الدولية إما عبارة عن مبادئ عامة في القانون الدولي العام؛ كتلك التي تمنح الدول الاختصاص المانع و الأحادي في تحديد رعاياها. على أن لهذا المبدأ قيدان: أولهما أن تلتزم الدول بتعهداتها الدولية، و ثانيهما أن تراعي الدول الجنسية الفعلية. و المصادر الدولية الأخرى للجنسية، تتمثل في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يقرر حق كل فرد في أن تكون له جنسية، و أن لا يحرم منها بطريقة تعسفية. و حق كل فرد في تغيير جنسيته متى رغب في ذلك.

أما عن الأسس التي تقوم عليها الجنسية فالجنسية الأصلية تقوم على الدم و الإقليم. فحق الدم هو أن المولود يكتسب الجنسية بناء على أصله العائلي الذي ينحدر منه. و إن كان الغالب أن يعتد بالجنسية الأصلية بالنسب من الأب، فإن النسب من الأم يعتد به أيضا. و حق الدم به مزايا تتمثل أساسا أن تضمن الدولة تجانس أفرا د شعبها، على أن حق الإقليم يعتد به بحيث تمنح الجنسية لشخص ما بناء على ولادته في إقليم الدولة ذلك أن الشخص عادة ما يكون له ولاء لمسقط رأسه. و الدول لها مطلق الحرية في الاعتداد بحق الدم أو بحق الإقليم في منح جنسيتها. أما الجنسية الطارئة، فهذه تكون بالتجنس و الزواج المختلط و استعمال خيار الاسترداد و الضم الإقليمي. فالتجنس هو اكتساب الفرد جنسية دولة ما بعد ميلاده، و هذا بناء على طلبه، وتبقى السلطة التقديرية للدولة في المنح و المنع. و تترتب آثار فردية و أخرى جماعية. فالآثار الفردية تلحق الشخص المتجنس، بحيث يصبح وطني له، فورا أو بعد أجل، ما للوطنيين من حقوق و عليه ما عليهم من الواجبات. و الجماعية، فهي التي تتقرر لعائلة المتجنس؛ من زوجة و أبناء قصر، فالزوجة تكتسب جنسية زوجها، و الأولاد يتم منحهم جنسية أبيهم المتجنس. أما الزواج المختلط فيخص أثر الزواج على الجنسية فكان المبدأ السائد هو وحدة جنسية العائلة؛ إذ تكتسب الزوجة جنسية زوجها بحكم القانون. على أن مساوئ هذا النظام ظاهرة؛ لذلك ظهر نظام آخر نادى بالاستقلالية، خاصة ببروز الحركات النسائية المنادية بالمساواة بين الرجل و المرأة، فتحتفظ الزوجة بجنسيتها مع إمكانية أن تمنح جنسية زوجها. أما خيار الاسترداد فيخص حالة من يفقد جنسيته الأصلية لأسباب لا دخل له فيها، أو لعلة وجدت ثم زالت، فمنح الشخص حق الرجوع إلى جنسيته الأصلية. كالزوجة التي تفقد جنسيتها بسبب زواجها من أجنبي حيث يلحقها قانون الأخير به في جنسيتها، أو الأولاد القصر الذين يصبحون من جنسية أبيهم المتجنس. ففي مثل هذه الحالات، يمنح للزوجة الحق في استرداد جنسيتها بعد انحلال رابطتها الزوجية مثلا، و يمنح الأولاد ذات الحق بعد بلوغهم سن الرشد من استرداد جنسية أبيهم الأصلية. أما الضم الإقليمي، كما حدث عند ضم إقليم القرم المنفصل عن أوكرانيا إلى روسيا، فهو الفرض الذي تضم فيها دولة جزء من إقليم دولة ثانية مأهولة، فيطرح التساؤل حينئذ عن الجنسية التي يحملها أهالي الإقليم المضموم. الواقع أن الاتفاقية الثنائية بين الدولتين الضامة و المضمومة هي التي تتكفل بذلك.

أما فقد الجنسية فالواقع أن أسباب ففقد متعددة. فطرق كسب الجنسية هي ذاتها أسباب فقدها؛ أي التجنس و الزواج و استرداد الجنسية و الضم الإقليمي. على أن هناك حالات يكون فيها فقد الجنسية جزاء و هذا ما يحصل في حالتي سحب الجنسية و إسقاطها أي التجريد منها. و يتحد السحب مع الإسقاط في أنهما لا يتقرران إلا في حالات محددة حصرا، لكنهما يختلفان من حيث أن السحب إجراء تريد من خلاله الدولة استدراك خطأ منها بمنحها جنسيتها لمن لا يستأهلها. و السحب لهذا لا يكون - بحسب الأصل - إلا ضد من له جنسية طارئة، بينما الإسقاط عبارة عن عقاب تتخذه الدولة ضد من ثبت عدم ولائه لها. و لما كان الإسقاط عقوبة، فإن أثره لا يتعدى، بحسب الأصل، من صدر ضده، عكس السحب الذي قد يتعدى إلى تابعي الشخص.

و مسألة تنازع الجنسيات تكون عند تعدد جنسية الشخص فيطرح التساؤل حينها حول أي الجنسيات يجب الاعتداد بها. فمتى كانت جنسية القاضي من بين الجنسيات المتنازعة، فإن القاضي يعتد بجنسيته فحسب و يتجاهل سائر الجنسيات، فيطبق بالتالي قانونه، و متى لم تكن جنسية القاضي محل تنازع، فيكون الاعتداد بالجنسية الفعلية للشخص؛ أي الجنسية التي يتعلق بها الشخص و يعيش في كنفها. أما عند عدم تمتع الشخص بأية جنسية فقد استقر الفقه على الاعتداد - في تحديد القانون الواجب التطبيق على عديم الجنسية - بقانون موطنه، و إلا فبمحل إقامته، و إلا فبقانون القاضي و هو موقف المشرع الجزائري في م:22/3

 

الجنسية الجزائرية

الجنسية الجزائرية الأصلية بناء على حق الدم. و نص المشرع على هذه الجنسية في المادة 6 من قانون الجنسية. و عليه تثبت الجنسية الجزائرية عن طريق الدم أو بالنسب للفرد الذي يولد من أبوين أحدهما على الأقل جزائريا وقت ميلاد الابن.

الجنسية الأصلية بناء على حق الإقليم. و نص المشرع على هذه الحالة في م:07 من قانون الجنسية، و حصرها في حالتين هما الولادة في الإقليم الجزائري من أبوين مجهولين، و الولادة على الإقليم الجزائري من آب مجهول و أم مسماة في شهادة ميلاد الابن دون ذكر بيانات أخرى تمكن من إثبات جنسية الأم.

 الجنسية الجزائرية المكتسبة.  و تكتسب الجنسية الجزائري هنا لأسباب ثلاثة هي الزواج و التجنس و الاسترداد.

الجنسية الجزائرية المكتسبة بفعل الزواج. وفق نص م:9 مكرر من قانون الجنسية، فإن الزواج من جزائري أو من جزائرية، يمكن الأجنبي من اكتساب الجنسية الجزائرية متى توافرت الشروط التالية:

·         أن يكون الزواج قانونيا.

·         أن يكون الزواج قائما فعليا منذ ثلاث سنوات على الأقل عند تقديم طلب التجنس

·         الإقامة المعتادة و المنتظمة بالجزائر منذ عامين على الأقل

·         التمتع بحسن السيرة و السلوك

·         إثبات الوسائل الكافية للعيش

هذا و اكتساب الجنسية الجزائرية، في إطار الحالة السابقة، يتم بتقديم طلب إلى وزير العدل مصحوبا بالعقود و الوثائق و المستندات التي تثبت استيفاء المعني الشروط السابقة (م:25 من قانون الجنسية).

و الطلبات المقدمة لوزير العدل، تخضع إما للقبول أو الرفض. ويكون رده بموجب مقرر، يبلغ إلى المعني. ففي حالة عدم توافر الشروط، يعلن وزير العدل عدم القبول بموجب مقرر معلل يتم تبليغه المعني. و حتى مع توافر الشروط، فإنه يمكن لوزير العدل رفض الطلب، و يكون هذا الرفض بموجب قرار يبلغ إلى المعني أيضا.

و يتم اكتساب الجنسية الجزائري بفعل الزواج بموجب مرسوم رئاسي؛ بحيث يشمل المرسوم تغيير اسم و لقب المعني متى كان قد ضمن طلبه باكتساب الجنسية.

الجنسية الجزائرية المكتسبة بالتجنس. يمكن التفرقة بين التجنس العادي و نصت على هذا التجنس، كما سبق المادة 10، إذ أن الأجنبي يمكنه أن يكتسب الجنسية الجزائرية عن طريق تقديم طلب بذلك و هذا متى توافرت فيه الشروط الآتية:

·         الإقامة بالجزائر مدة 07 سنوات عند تاريخ تقديم الطلب.

·         الإقامة بالجزائر عند توقيع مرسوم التجنس،

·         بلوغ سن الرشد؛

·         أن يكون حسن السيرة و لم يسبق أن حكم عليه بعقوبة في جريمة مخلة بالشرف،

·         أن تكون لطالب التجنس وسائل معيشة كافية؛

·         أن يكون سليم العقل و الجسد من أي مرض أو عاهة مقعدة،

·         إثبات اندماجه في المجتمع الجزائري؛ و لعل أقلها أن يلم باللغة العربية نطقا.

و يلتزم طالب التجنس بتقديم طلبه إلى وزير العدل مرفقا بالوثائق الثبوتية السابقة. على أن منح التجنس يتم بمرسوم رئاسي. و يمكن للذي حصل على الجنسية الجزائري، تغيير لقبه و اسمه إن شاء.

هذا و نشير أن منح التجنس يخضع لتقدير السلطة؛ فلها قبول طلبه، كما لها رفضه. أما التجنس الخاص فيتمثل في تلك الحالات التي أعفى فيها المشرع طالب التجنس من كل أو بعض شروط التجنس، و قد نصت على هذا النوع من التجنس م:11 من قانون الجنسية. و في هذا النوع من التجنس، فإن المشرع أعفى طالب التجنس من جميع الشروط و هذا متى كان قد قدم خدمات استثنائية للجزائر أو أصيب بعاهة أو مرض لعمل قدمه للجزائر أو لفائدتها. كما تعفيه من الشروط أيضا في الحالة التي يكون طالب التجنس في تجنسه فائدة استثنائية للجزائر.

 

 

 استرداد الجنسية الجزائرية

نص المشرع على حالة الاسترداد في م:14 من قانون الجنسية. و هذه تخص حالة الفرد الذي كانت له جنسية جزائرية أصلية، إلا أنه فقدها، فهو يحق له استردادها متى توافرت فيه الشروط التي نصت عليها م:25 من قانون الجنسية. 

·         أن يقدم المعني طلب استرداد الجنسية الجزائري لوزير العدل، مع تمتع الأخير بسلطة تقديرية في هذا الشأن؛ بحيث أن طلب الاسترداد إن لم تتوافر فيه الشروط كان لوزير العدل بموجب مقرر معلل و مبلغ للمعني، عدم قبول الطلب. أما في حالة توافر الشروط، فيمكن لوزير العدل رفض الطلب بموجب قرار يبلغ إلى المعني.

·         أن يكون طالب الاسترداد قد أقام بالجزائر 18 شهرا على الأقل قبل تقديمه الطلب و كانت إقامته بالجزائر معتادة و منتظمة.

و يترتب على استرداد الشخص لجنسيته الجزائرية، اعتباره من الوطنيين من تاريخ الاسترداد (أي من تاريخ صدور مرسوم الاسترداد). أما أبناء المسترد القصر، فإنهم يستردونها بقوة القانون باسترداد أبيهم لجنسيته الجزائرية. على أنه يشترط في الأبناء الذين يستردون أو يكتسبون الجنسية الجزائرية طبقا لنص م:17 من قانون الجنسية، أن يكونوا من جهة قصرا؛ إذ الراشد لا تسري عليه آثار الاسترداد. كما يشترط أيضا أن يكون الأبناء القصر مقيمين فعلا مع أبيهم.

أما الآثار المترتبة على اكتساب الجنسية الجزائرية فبمجرد اكتساب الفرد الجنسية الجزائرية (أي بتوقيع مرسوم التجنس) يتمتع المتجنس بكافة الحقوق التي يتمتع بها الجزائري، كما يتحمل نفس الواجبات. أما الآثار الجماعية فينصرف كسب الجنسية الجزائرية إلى الأبناء القصر دون الزوجة أو الأبناء الراشدين؛ إذ يمكنهم طلب اكتساب الجنسية الجزائرية بصفة انفرادية. على أن هذه الآثار يمكن أن نميز بداخلها بين الأنواع المختلفة لكسب الجنسية الجزائرية كالتالي.

فبالنسبة لشخص تجنس بالجنسية الجزائرية، فإن المشرع منح الجنسية الجزائرية للأبناء القصر تلقائيا، و إن كان منحهم حرية التنازل عن الجنسية الجزائرية متى أبدوا رغبتهم في ذلك خلال سنتين بدء من تاريخ بلوغهم سن الرشد. أما بالنسبة للشخص الذي استرد جنسيته الجزائرية (أي الذي كانت له الجنسية الجزائرية الأصلية ثم فقدها)، فإن أبناءه القصر غير المتزوجين، فيستردون هم أيضا أو يكتسبون الجنسية الجزائرية بحكم القانون متى ثبتت إقامتهم الفعلية مع مسترد الجنسية. و ما قيل عن آثار التجنس و الاسترداد يصدق أيضا على حالة اكتساب الجنسية الجزائرية بفعل الزواج، بالنسبة للأبناء القصر. 

فقد الجنسية الجزائرية.

الفرد حر في تغيير جنسيته، لذلك فالمشرع في م:18 من قانون الجنسية، نص على الحالات التي تفقد فيها الجنسية الجزائرية والأمر يعود فيها إلى إرادة صاحب الشأن في التخلي عن الجنسية الجزائرية ثم إن الفقد مرتبط بصدور مرسوم يؤذن فيه للجزائري بالتخلي عن جنسيته الجزائرية بحيث أنه إن لم يحصل ذلك، احتفظ المعني بجنسيته الجزائرية، وبالجنسية الأجنبية التي اكتسبها.

أما عن حالات الفقد فهي كالتالي:

  • الجزائري الذي اكتسب عن طواعية جنسية أجنبية، وأذن له، بموجب مرسوم، بالتخلي عن الجنسية الجزائرية،
  • الجزائري -ولو قاصرا -الذي له جنسية أصلية أجنبية، وأذن له بالتخلي عن الجنسية الجزائرية،
  • المرأة الجزائرية التي تكتسب بفعل الزواج بأجنبي الجنسية الأجنبية لهذا الأخير، وأذن لها بموجب مرسوم بالتخلي عن الجنسية الجزائري،
  • الولد القاصر لأجنبي تجنس بالجنسية الجزائرية، وترتب عن ذلك اكتساب الولد القاصر للجنسية الجزائرية، وفق م:17، وتخلى عن الجنسية الجزائرية خلال سنتين من بلوغه سن الرشد.

وطلب التخلي المذكور في الحالات الأربعة السابقة إن لم تتوافر شروطه، أعلن وزير العدل، بموجب مقرر معلل مبلغ إلى المعني، عدم قبوله. أما متى توافرت شروط طلب التخلي، فإن لوزير العدل أن يصدر قرارا برفضه التخلي مع تبليغه إلى المعني.

 

آثار فقد الجنسية الجزائري.

فقد الجنسية الجزائرية، يسري أثره، من تاريخ نشر المرسوم في الجريدة الرسمية، الذي أذن بالتخلي عن الجنسية الجزائرية، وهذا بالنسبة إلى الحالات الثلاثة الأولى. أما بالنسبة إلى الحالة الرابعة [أي الولد القاصر]، فيسري أثر الفقد من تاريخ الطلب الذي يتخلى بموجبه الشخص عن الجنسية الجزائرية أي التاريخ الذي تثبته وزارة العدل.

أما بالنظر إلى أثر الفقد على الأشخاص؛ فالفقد لا يمتد إلى الأبناء القصر للشخص الذي فقد جنسيته الجزائرية في مختلف حالات الفقد التي سبق أن ذكرناها.

 سحب الجنسية الجزائرية.

نصت على السحب م:8 و 13 من قانون الجنسية و السحب يسري على الجنسية الأصلية و الجنسية المكتسبة.

فالسحب يلحق الجنسية الأصلية فالمولود في الجزائر من أبوين مجهولين يعتبر المشرع جنسيته الأصلية كأن لم تكن؛ وهذا متى ثبت خلال فترة قصره، أنه ينتسب إلى أجنبي أو أجنبية وينتمي إلى جنسية أحدهما وفقا لقانون جنسية أحدهما.

أما سحب الجنسية الجزائري المكتسبة، فقد نصت عليها م:13 من قانون الجنسية وليتم السحب هنا بمرسوم، تتطلب توافر ثلاثة شروط هي:

  • أن يكون سبب السحب مبني على عدم توافر شروط التجنس (كشرط المدة مثلا)، أو أن المتجنس استعمل الغش (كوثائق مزورة) في الحصول على الجنسية الجزائرية،
  • إخطار المتجنس بقرار السحب وتمكينه من الدفاع عن نفسه، وهذا خلال مهلة شهرين من تاريخ تبليغه قرار السحب،
  • أن تتخذ إجراءات السحب، خلال مدة سنتين من اكتساب الجنسية الجزائرية.

ويكون السحب بنفس شكل منح التجنس. هذا مع الإشارة أن هذا السحب، ورغم توافر كل تلك الشروط، يبقى مسألة جوازية فحسب، للسلطة الجزائرية. 

التجريد من الجنسية الجزائرية.

التجريد عقوبة ضد الوطني الذي يخل بواجبه نحو وطنه وهو لا يخص إلا الشخص اكتسب الجنسية الجزائرية، فهو بالتالي لا يتعلق بصاحب الجنسية الجزائرية الأصلية. أما حالات التجريد فهي

  • إذا صدر ضد المعني حكم نهائي من أجل عمل يعد جناية أو جنحة تمس بالمصالح الحيوية للجزائر،
  • إذا صدر ضد المعني حكم من أجل عمل يعد جناية بعقوبة لأكثر من 5 سنوات سجنا.
  • إذا قام المعني لفائدة جهة أجنبية بأعمال تتنافى مع صفته كجزائري، أو مضرة بمصالح الجزائر. ويبقى تقدير ذلك للسلطة الجزائرية.

ويشترط في الحالات السابقة، أن يقوم المعني بتلك الأعمال خلال 10 سنوات من تاريخ اكتسابه الجنسية الجزائرية.

ولا يتم التجريد إلا بموجب مرسوم، ثم لا بد من حصوله خلال 05 سنوات من تاريخ ارتكاب المعني للأعمال السالفة. كما أنه يسبق قرار تجريد المعني، تمكينه من تقديم دفاعه خلال مهلة شهرين، دون تحديد من المشرع لبدء سريان تلك المهلة.

ولا يمتد التجريد إلى زوج المعني ولا إلى أبنائه القصر. على أن التجريد، متى شمل الأبوين معا، أمكن حينها تمديد التجريد إلى الأبناء القصر. ولا يبدأ التجريد في السريان، إلا من تاريخ نشر المرسوم بالجريدة الرسمية.

 

منازعات الجنسية.

الاختصاص القضائي بمسائل الجنسية.

منازعات الجنسية يتنازعها كل من القضاء العادي والقضاء الإداري.

كانت المادة 30 من قانون الجنسية قبل تعديلها سنة 2005، تنص على أنه "تختص المحكمة الإدارية بالبت في الطعن بالإلغاء لتجاوز السلطة ضد المقررات الإدارية في قضايا الجنسية". وبالرغم من إلغاء تلك المادة، إلا أنه لا يظهر أن إلغاؤها يغير من بقاء اختصاص القضاء الإداري. فوزير العدل يتدخل بموجب مقررات وقرارات في مسائل الجنسية كعدم قبول طلب ما، أو عند رفضه قبول طلبات، كما يجب صدور مرسوم سواء تعلق الأمر بفقد الجنسية أم بسحبها أم بالتجريد منها. فكل ذلك يختص به القضاء الإداري (مجلس الدولة)

نصت م:37 من قانون الجنسية "تختص المحاكم وحدها بالنظر في المنازعات حول الجنسية". فالمحاكم هي صاحبة الاختصاص في منازعات الجنسية وتكون النيابة العامة خصما في دعاوى الجنسية.

ومسألة الجنسية، قد تعرض بطريقة أصلية كما قد تعرض بطريقة تبعية. فمتى عرضت الجنسية بطريق الدفع أمام جهة القضاء الإداري أو الجزائي مثلا، تعين على الجهة القضائية المختصة بالموضوع، إرجاء الفصل فيه، إلى أن يستصدر المعني حكم نهائيا من الجهة المختصة بمسألة الجنسية. وحدد المشرع للمعني مهلة شهر واحد بدء من قرار التأجيل، لرفع دعواه أمام المحكمة المختصة. ومتى قصر المعني في القيام بالإجراء السابق كان للجهة القضائية التي قضت بالتأجيل، أن تفصل في موضوع النزاع وقضاؤها لا يكون حجة فيما فصل فيه من مسألة الجنسية. وقد تثار مسألة الجنسية أيضا بطريق أصلي؛ أي بدعوى أصلية، يطلق عليها دعوى الجنسية المجردة. أي ترفع للحكم بثبوت أو عدم ثبوت تمتع فرد بالجنسية الجزائرية.

أما عن خصوم دعوى الجنسية الأصلية، فهم الفرد الذي يطلب الحكم له بثبوت أو عدم ثبوت الجنسية الجزائرية، كمدع، والنيابة العامة كمدعى عليه من جهة أخرى؛ باعتبارها تمثل الدولة. وتلزم النيابة العامة برفع تلك الدعوى متى طلبت منها إحدى الإدارات العمومية ذلك. وبمجرد أن ترفع عريضة من أحد الأشخاص لإقرار ثبوت أو عدم ثبوت جنسيته الجزائرية، تعين على النيابة العامة إبلاغ نسخة منها إلى وزير العدل.

أما عن إثبات الجنسية الجزائرية فمن يدعي ثبوت أو عدم ثبوت الجنسية الجزائرية له أو لغيره، يقع عليه عبء ذلك الإثبات "يتحمل الإثبات في قضايا الجنسية كل شخص سواء كان بواسطة الدعوى أو عن طريق الدفع يدعي هو نفسه أو شخص آخر بأنه يحمل أو لا يحمل الجنسية الجزائرية" (كشهادة الميلاد أو مرسوم التجنس أو فقد الجنسية أو حكم قضائي يثبت أو ينفي الجنسية الجزائرية).

والحكم الصادر في الجنسية قابل للاستئناف ولكافة طرق الطعن المعهودة. على أنه متى صدر الحكم أو القرار القضائي، وصار نهائيا، فإنه يكتسب حجية مطلقة قبل الكافة.