المحاضرة رقم 09  قانون مكافحة الفساد

مستوى السنة الثالثة قانون عام

 

إجراءات إسترداد الأموال المتحصلة عن جرائم الصفقات العمومية

تضمنت الفقرة الأولى من المادة 54 من إتفاقية الأمم لمكافحة الفساد ثلاث آليات لإسترداد الممتلكات المتحصلة عن جرائم الفساد ككل بما فيها جرائم الصفقات العمومية نوجزها  فيما يلي:

1-قيام السلطات المختصة في الدولة التي توجد فيها الأموال والممتلكات المتحصلة عن الفساد بتنفيذ قرارات المصادرة التي أصدرتها محاكم دولة أخرى.

2-قيام السلطات المختصة بمصادرة الأموال أو الممتلكات ذات "المنشأ" الأجنبي بنفسها وذلك بموجب قرار قضائي بشأن جريمة غسل الأموال أو أي جريمة أخرى تندرج ضمن ولايتها القضائية.

3-قيام السلطات المختصة في الدولة بالمصادرة الإدارية لهذه الأموال أو الممتلكات دون حكم جنائي بالإدانة وذلك في الحالات التي يتعذر فيها ملاحقة الجاني بسبب الوفاة أو الفرار أو الغياب أو لغير ذلك من الحالات الأخرى.

ويلاحظ أن آليات الإسترداد السابق الإشارة اليها لا تقتصر فقط على جرائم الفساد المنصوص عليها في الإتفاقية، بل تسري أيضا على أي جريمة أخرى مرتبطة بإحدى هذه الجرائم، كما يلاحظ أيضاأن تنفيذ سلطات الدولة لحكم أو قرار المصادرة، الصادر عن محاكم دولة أخرى يعتبر في الواقع تكريسا لفكرة الحجية عبر الوطنية لأحكام المصادرة،وإعترافا بصفة عامة بحجية الحكم الجنائي في دولة أخرى.

ونصت لهذا الغرض المادة 63 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على أنه:" تعتبر الأحكام الأجنبية القضائية التي أمرت بمصادرة ممتلكات إكتسبت عن طريق إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أو الوسائل المستخدمة في إرتكابها نافذة بالإقليم الجزائري طبقا للقواعد والإجراءات المقررة.

يمكن الجهات القضائية أثناء نظرها في جرائم تبيض الأموال أو جريمة أخرى من إختصاصها وفقا للتشريع الجاري به العمل، أن تأمر بمصادرة الممتلكات ذات المنشأ الأجنبي والمكتسبة عن طريق إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أو تلك المستخدمة في إرتكابها.

ويقضي بمصادرة الممتلكات المذكورة في الفقرة السابقة حتى في إنعدام الإدانة بسبب إنقضاء الدعوى العمومية أو لأي سبب أخر."

وقد نص ذات القانون على طلبات التعاون الدولي بغرض المصادرة حيث نصت المادة 66 منه على أنه" فضلا عن الوثائق والمعلومات اللازمة التي يجب ان تتضمنها طلبات التعاون القضائي وفقا لما تقرره الإتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف وما يقتضيه القانون، ترفق الطلبات المقدمة من إحدى الدول الأطراف في الإتفاقية، لأجل الحكم بالمصادرة أو تنفيذها، حسب الحالات بما يأتي:

1-بيان بالوقائع التي إستندت إليها الدولة الطالبة ووصف الإجراءات المطلوبة إضافةإلى نسخة مصادق على مطابقتها للأصل من الأمر الذي إستندإليه الطلب حيثما كان متاحا وذلك إذا تعلق الأمر بإتخاذ إجراءات التجميد أو الحجز أو بإجراءات تحفظية،

2-وصف الممتلكات المراد مصادرتها وتحديد مكانها وقيمتها متى أمكن ذلك مع بيان الوقائع التي إستندت إليها الدولة الطالبة، والذي يكون مفصلا بالقدر الذي يسمح للجهات القضائية الوطنية باتخاذ قرار المصادرة طبقا للإجراءات المعمول بها وذلك في حالة الطلب الرامي إلى إستصدار حكم المصادرة،

3-بيان يتضمن الوقائع والمعلومات التي تحدد نطاق تنفيذ أمر المصادرة الوارد من الدولة الطالبة،إلى جانب تقديم هذه الأخيرة لتصريح يحدد التدابير التي إتخذتهالإشعار الدول الأطراف حسنة النية بشكل مناسب وكذا ضمان مراعاة الأصول القانونية والتصريح بأن حكم المصادرة نهائي وذلك إذا تعلق الأمر بتنفيذ حكم بالمصادرة."

ويوجه الطلب الذي تقدمه إحدى الدول الأطراف في الإتفاقية لمصادرة العائدات الإجرامية أو الممتلكات أو المعدات أو الوسائل الأخرى المذكورة في المادة 64 من هذا القانون والمتواجد على الإقليم الوطني مباشرة إلى وزارة العدل التي تحوله إلى النائب العام لدى الجهة القضائية المختصة وترسل النيابة العامة هذا الطلب إلى المحكمة المختصة مرفقا بطلباتها، ويكون حكم المحكمة قابلا للإستئناف والطعن بالنقض وفقا للقانون،وتنفذ أحكام المصادرة المتخذة على أساس الطلبات المقدمة وفقاً لهذه المادة بمعرفة النيابة العامة بكافة الطرق القانونية.

كما تتطلب إجراءات إسترداد متحصلات جرائم الفساد ككل بما فيها جرائم الصفقات العمومية في بعض الحالات وقتا طويلا وهذا راجع لتعقيد بعض إجراءاتها لاسيما بحكم طابعها عبر الوطني،وأنها تتم بين سلطات دول مختلفة وليس بين سلطات دولة واحدة، ولهذا كان ضروريا في مجال ضبط متحصلات جرائم الفساد ككل بما فيها جرائم الصفقات العمومية بغية إستردادها السماح بإتخاذ بعض التدابير التحفظية أو المؤقتة ريثما تنتهي إجراءات المصادرة وذلك لتفادي نقل أو تحويل أوإخفاء هذه الأموالأو التصرف فيها

وقد تناولت المادة 54 من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بعضا من هذه الإجراءات التحفظية والمتمثلة في التجميد أو حجز الأموال والممتلكات المتحصلة عن جرائم الفساد

وبالرجوع إلى قانون الوقاية من الفساد ومكافحته نجده نص على أنه "وفقا للإجراءات المقررة، يمكن الجهات القضائية أو السلطات المختصة بناء على طلب إحدى الدول الأطراف في الإتفاقية التي تكون محاكمها أو سلطاتها المختصة قد أمرت بتجميد أو حجز العائدات المتأتية من إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أو الممتلكات أو المعدات أو الأدوات التي إستخدمت أو كانت معدة للإستخدام في إرتكاب هذه الجرائم، أن تحكم بتجميد أو حجز تلك الممتلكات شريطة وجود أسباب كافية لتبرير هذه الإجراءات ووجود ما يدل على أن مآل تلك الممتلكات هو المصادرة.

يمكن للجهة القضائية المختصة أن تتخذ الإجراءات التحفظية المذكورة في الفقرة السابقة على أساس معطيات ثابتة، لا سيما إيقاف أو إتهام أحد الأشخاص الضالعين في القضية بالخارج.

ترد الطلبات المذكورة في الفقرة الأولى من هذه المادة، وفق الطرق المنصوص عليها في المادة 67 أدناه، وتتولى النيابة العامة عرضها على المحكمة المختصة التي تفصل فيها وفقا للإجراءات المقررة في مادة القضاء الإستعجالي." كما تعتبر مصادرة الممتلكات والأموال المتحصلة عن جرائم الفساد ككل بما فيها جرائم الصفقات العمومية مثل أي مصادرة أخرى عقوبة جنائية، ولكن تنفيذها يثير إشكالية خاصة مبعثها أن الممتلكات أو الأموال محل المصادرة تكون موجودة في دولة غير تلك التي وقعت فيها هذه الجرائم، فالأمر يتعلق إذن بجريمة عابرة للحدود وبالتالي فإجراءات المصادرة تكون أيضا ذات طابع عبر وطني.

وبالرجوع إلى نص المادة 55 من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد نجدها نصت على أنه "على كل دولة طرف تتلقى طلبا من دولة أخرى لها ولاية قضائية على فعل مجرم وفقا لهذه الإتفاقية من أجل مصادرة ما يوجد في إقليمها من عائدات إجرامية أو ممتلكات أو معدات أو أدوات أخرى مشار إليها في الفقرة 01 من المادة 31 من هذه الإتفاقية، أن تقوم إلى أقصى حد ممكن في إطار نظامها القانوني الداخلي، بما يلي:

(أ‌) أن تحيل الطلب إلى سلطاتها المختصة لتستصدر منها أمر مصادرة، وأن تضع ذلك الأمر موضع النفاذ في حال صدوره.

(ب‌) أن تحيلإلى سلطاتها المختصة أمر المصادرة الصادر عن محكمة في إقليم الدولة الطرف الطالبة وفقا للفقرة 01 من المادة 31 والفقرة 01 (أ) من المادة 54 من هذه الإتفاقية، بهدف إنفاذه بالقدر المطلوب، طالما كان متعلقا بعائدات إجرامية أو ممتلكات أو معدات أو أدوات أخرى مشار إليها فيالفقرة 01 من المادة 31 موجودة في إقليم الدولة الطرف متلقية الطلب."

أما بالنسبةلقانون الوقاية من الفساد ومكافحته نجده نص على إجراءات التعاون الدولي من أجل المصادرة كمايلي " يوجه الطلب الذي تقدمه إحدى الدول الأطراف في الإتفاقية، لمصادرة العائدات الإجرامية أو الممتلكات أو المعدات أو الوسائل الأخرى المذكورة في المادة 64 من هذا القانون، والمتواجدة على الإقليم الوطني، مباشرة إلى وزارة العدل التي تحوله للنائب العام لدى الجهة القضائية المختصة.

ترسل النيابة العامة هذا الطلب إلى المحكمة المختصة مرفقا بطلباتها، ويكون حكم المحكمة قابلا للاستئناف والطعن بالنقض وفقا للقانون.

تنفيذ أحكام المصادرة المتخذة على أساس الطلبات المقدمة وفقا لهذه المادة بمعرفة النيابة العامة، بكافة الطرق القانونية."

كما نص ذات القانون على تنفيذ أحكام المصادرة الصادرة من جهات قضائية أجنبية على النحو التالي " ترد قرارات المصادرة التي أمرت بها الجهات القضائية لإحدى الدول الأطراف في الإتفاقية، عبر الطرق المبينة في المادة 67 أعلاه، وتنفذ طبقا للقواعد والإجراءات المعمول بها في حدود الطلب، وذلك طالما أنها تنصب على عائدات الجريمة أو الممتلكات أو العتاد أو أية وسائل إستعملتلإرتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون."

أما عن ما أسمته الإتفاقية "إرجاع الموجودات" أو عائدات جرائم الفساد ككل بما فيها جرائم الصفقات العمومية فيعد الإجراء الأخير والأكثر أهمية وجدوى، بالنسبة للدول المتضررة التي إرتكبت فيها جريمة الفساد.

وتجدر الإشارة أن موضوع إرجاع عائدات جرائم الفساد ككل بما فيها جرائم الصفقات العمومية كان أحد أكثر الموضوعات محلا للخلاف وإثارة للجدل إبان الأعمال التحضيرية والمفاوضات التي سبقت إقرار إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

ففي إحدى مراحل التفاوض بشأن مشروع الإتفاقية السابقة الذكر، كانت ثمة مشروعات نصوص تقرر مبدأ إقتسام عائدات جرائم الفساد ككل بما فيها جرائم الصفقات العمومية بين الدولة التي توجد فيها هذه الأموال والدولة المتضررة التي أرتكبت فيها جريمة الفساد.

وعلى الرغم من عدم الإشارة في النص النهائي لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عن إقتسام عائدات الفساد، فقد بقي الخلاف حول الجهة التي تسترد هذه العائدات، حيث يلاحظ وجود محاولات للإلتفاف حول مبدأ إرجاع عائدات جرائم الفساد ككل بما فيها جرائم الصفقات العمومية إلى الدول التي نهبت منها هذه العائدات بإرتكاب جرائم الفساد في إقليمها إذ حذفت على سبيل المثال من المادة الأولى الفقرة (ب) عبارة " إعادة الموجودات– أي عائدات الفساد- إلى بلدانها الأصلية "، بل أنه حتى في المادة 57 من الإتفاقية، المخصصة أصلا لتنظيم إرجاع الموجودات والتصرف فيها، تضمنت الفقرة الفرعية (ج) من الفقرة 03إرجاع الموجودات إلى أصحابها الشرعين المصادرة .

وعلى أي حال، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 57 من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على  أن:

" تعتمد كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، ما قد يلزم من تدابير أخرى لتمكن سلطاتها المختصة، عندما تتخذ إجراءات ما بناء على طلب دولة طرف آخرى، من إرجاع الممتلكات المصادرة، وفقا لأحكام هذه الإتفاقية، ومع مراعاة حقوق الأطراف الغير الحسنة النية."

وبالرجوع للقانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته نجده عالج التصرف في الممتلكات المصادرة إذ نص على أنه " عندما يصدر قرار المصادرة طبقا لأحكام هذا الباب، يتم التصرف في الممتلكات المصادرة وفقا للمعاهدات الدولية ذات الصلة والتشريع المعمول بهما."