أولا: الموظف العمومي

الموظف العمومي

ونظرا لتباين وجهة النظر بين القانون الإداري والقانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته فيما يتعلق بمفهوم هذا الأخير إقتضى ذلك منا التعرض لمدلوله في الفقه الإداري،  ثم في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.

أولا: مفهوم الموظف العمومي في الفقه الإداري

لقد إهتم الفقه الإداري بتعريف الموظف العمومي، حيث وردت العديد من التعريفات في هذا الخصوص والتي من أهمها تعريفه بأنه:" كل من يصدر بحقه أمر تعين بصورة دائمة من جهات إدارية رسمية مختصة ويتم تثبيته في الوظيفة، بعد إجتيازه مدة التجربة بنجاح والتي في أغلب الأحيان تكون عبارة عن سنة واحدة ويكون مكلفا بتقديم خدمة عامة حسب

 

القوانين واللوائح والأنظمة والتعليمات التي تحكم أصول وظيفته وذلك بهدف تحقيق المصلحة العامة".

وأيضا عرف بأنه: " الشخص الذي يقوم بصفة قانونية بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أوأحد الأشخاص المعنوية العامة عن طريق الإستغلال المباشر."

ويعرف أيضا بأنه: " كل شخص يعهد إليه على وجه قانوني بأداء عمل دائم في خدمة أحد الأشخاص المعنوية العامة عن طريق شغله منصبا يدخل في التنظيم الإداري لذلك الشخص فيعني موظفا عاما كل من يعمل بوزارات الحكومة ومصالحها والأجهزة التي لها موازية خاصة بها، وكل من يعمل في وحدة من وحدات الإدارة المحلية، أو في خدمة هيئة عامة، إقتصاديةأو خدمية"

إذ أن مجمل هذه التعاريف جعلت من الموظف العام ممثل الدولة الذي ينوب عنها في إدارة المرافق وتقديم الخدمات العامة، كالتعليم والصحة وحفظ الأمن ومكافحة الجرائم بأنواعها والدفاع عن أمن الدولة الداخلي والخارجي، وتمثيل الدولة في علاقاتها المتعددة مع الدول الأخرىأو لدى مرافق القضاء أو البرلمان والسلطة التنفيذية والحكومة بشكل عام.

هذا وبالرجوع إلى القانون الأساسي للوظيفة العامة، نجده قد أضفى وصف موظف عمومي على كل عون عين في وظيفة عمومية دائمة ورسّم في رتبة في السلم الإداري.

وإنطلاقا من هذا التعريف يمكن إستخلاص العناصر الأساسية التي يقوم عليها تعريف الموظف العموميوهي ثلاثة:

-صدورأداة قانونية يلحق بمقتضاها الشخص بالخدمة، وقد تكون هذه الأداة في شكل مرسوم رئاسي أو تنفيذي أو في شكل قرار وزاري أو ولائي أو في شكل مقرر صادر عن سلطة إدارية.

-القيام بعمل دائم، بمعنى أن يشغل الشخص وظيفته على وجه الإستمرار بحيث لا تنفك عنه إلا بالوفاة أو الإستقلالية أو العزل أو التقاعد، ومن ثم لا يعد موظفا المستخدم المتعاقد ولا المستخدم مؤقتا ولو كان مكلفا بخدمة عامة.

-المساهمة بالعمل في خدمة مرفق عام تديره الدولة أوأحد الأشخاص التابعيين للقانون العام.

حيث يعد التعريف السابق الذكر مدلولا ضيقا لمصطلح الموظف العام، يسري مضمونه فقط في مجال تشريعات الوظيف العمومي والقانون الإداري عموما، ويعرف بالمفهوم

التقليدي الضيق للموظف العمومي.

ثانيا: مدلول الموظف العمومي في القانون المتعلق بالوقاية من الفساد مكافحته

تميز قانون الوقاية من الفساد ومكافحته بإعطائه مفهوم مغيرا لما سبق بيانه إذ يعتبر موظفا عموميا وفقا للفقرة الثانية "ب" من المادة الثانية من هذا الأخير:

1- كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا أو في أحد المجالس الشعبية المحلية المنتخبة، سواء أكان معينا أو منتخبا، دائما أو مؤقتا، مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر، بصرف النظر عن رتبته أو أقدميته.

2- كل شخص آخر يتولى ولو مؤقتا، وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر، ويساهم بهذه الصفة في خدمة هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية أو أية مؤسسة أخرى تملك الدولة كل أو بعض رأسمالها، أو أية مؤسسة أخرى تقدم خدمة عمومية.

3- كل شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع

والتنظيم المعمول بهما."

إنطلاقا من هذا النص يعتبر موظفا عموميا وفقا لقانون الوقاية من الفساد ومكافحته كل شخص ينتمي إلى أحد الفئات التالية:

·       ذوي المناصب التنفيذية ، القضائية ، الإدارية :

   وتشمل هذه الفئة كل من يشغل منصبا تنفيذيا أو قضائيا أو إداريا سواء أكان معينا أو منتخبا، دائما أو مؤقتا، مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر، بصرف النظر عن رتبته أو أقدميته.

1- الشخص الذي يشغل منصبا تنفيذيا: وتشمل هذه الفئة كل الأشخاص العاملين بالسلطة التنفيذية على المستوى المركزي بداية برئيس الجمهورية فالوزير الأول وأعضاء الحكومة من وزراء بمختلف رتبهم والولاة والمدراء التنفيذين وممثلي الدولة في الخارج كسفراء والقناصلة.

2- الشخص الذي يشغل منصبا قضائيا:وتشمل هذه الفئة وفقا لصريح نص المادة 02 من القانون العضوي رقم 04-11 المتضمن القانون الأساسي للقضاء:

-      قضاة الحكم والنيابة العامة للمحكمة العليا والمجالس القضائية والمحاكم التابعة للنظام القضائي العادي.

-      قضاة الحكم ومحافظي الدولة لمجلس الدولة والمحاكم الإدارية.

-      القضاة العاملين في الإدارة المركزية لوزارة العدل وأمانة المجلس الأعلى للقضاء والمصالح الإدارية للمحكمة العليا ومجلس الدولة ومؤسسات التكوين والبحث التابعة لوزارة العدل.

كما تشمل هذه الفئة أيضا المحلفون المساعدون في محكمة الجنايات والمساعدون في قسم الأحداث وفي القسم الإجتماعي بحكم مشاركتهم في الأحكام التي تصدر عن الجهات

 

القضائية العادية، وأيضا قضاة مجلس المحاسبة.

3– الشخص الذي يشغل منصبا إداريا:

ويراد بهم الموظفين العاملين في المؤسسات والإدارات العمومية بصفة دائمة أو مؤقتة، بأجر أو بدون أجر بصرف النظر عن رتبتهم أو أقدميتهم، وتنقسم هذه الفئة إلى قسمين هما:

أ- الموظفين العاديين:

ويراد بهم الموظفين العاملين في المؤسسات والإدارات العمومية والذين يشغلون مناصبهم بصفة دائمة والخاضعين للقانون الأساسي للوظيفة العامة، أي الموظف العام بالمفهوم الضيق أو التقليدي المعمول به في ظل القانون الإداري ويعد موظفا وفقا لصريح نص المادة 04 من القانون الأساسي للوظيفة العامة " كل عون عين في وظيفة عمومية دائمة و رسم في رتبة في السلم الإداري".

  وإنطلاقا من هذا النص نستنتج أنه لكي يتمتع الشخص يوصف موظف عمومي يفترض أن تتوافر فيه 04 عناصر أساسية والمتمثلة في :

  -أن يكون معينا في وظيفة عمومية سواء أكان ذلك بموجب مرسوم رئاسي أو قرار وزاري.

- أن يقوم بعمل يتسم بالديمومة.

- الترسيم في رتبة في السلم الإداري.

- أن يمارس نشاط في مؤسسة أو إدارة عمومية .

ب- الموظفين المتعاقدين أو المؤقتين :

ويراد بهم عمال المؤسسات و الإدارات العمومية الذين لا تتوافر فيهم صفة الموظف العام بمفهوم القانون الإداري كالأعوان المتعاقدين والمؤقتين:

 – الأعوان المتعاقدين : وهم فئة الأشخاص الذين تربطهم بالإدارة علاقة عقدية وليست تنظيمية، ونظم المشرع الجزائري في الفصل الرابع من الباب الأول من القانون الأساسي للوظيفة العامة هذه العلاقة تحت عنوان" الأنظمة القانونية الأخرى للعمل "، ويوظف الأعوان المتعاقدين حسب الحالة وفق حاجات المؤسسات والإدارات العمومية عن طريق عقود محددة المدة أو غير محددة المدة بالتوقيت الكامل أو بالتوقيت الجزئي، ووفقا للقانون الأساسي للوظيفة العامة فإنه لا يكتسب القائم بهده الوظائف صفة الموظف كما لا يكون له الحق في الإدماج في رتبة من رتب الوظيفة العامة.

- الأعوان المؤقتين: ويقصد بهم الأشخاص الذين يعينون بصفة مؤقتة ولمدة محددة ليقوموا بعمل ذو طابع مؤقت وهنا يجوز أن يكون القائم بهذه الوظيفة وطنيا أو أجنبيا.

·       كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو منتخبا في أحد المجالس الشعبية المحلية المنتخبة

1-أعضاء السلطة التشريعية: ويراد به العضو في البرلمان بغرفتية المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة سواء أكانو من الثلثين المنتخبين أو الثلث المعين من قبل رئيس الجمهورية.

2 – المنتخبين في المجالس المحلية المنتخبة:ويقصد بهم أعضاء المجالس الشعبية الولائية المنتخبين وأعضاء المجالس الشعبية البلدية المنتخبين.

·       الأشخاص الذين يتولون وظيفة أو وكالة ومن هم في حكم الموظف :

1- تولي وظيفة: وهو كل من أسندت إليه مسؤولية في إحدى الهيئات أو المؤسسات العمومية أو أية مؤسسة أخرى تملك الدولة كل أو بعض رأسمالها، أو أي مؤسسة أخرى تقدم خدمة عمومية مهما كانت مسؤوليته من رئيس أو مدير عام إلى رئيس مصلحة، وبذلك فإن المشرع يستبعد من نطاق تطبيق مفهوم تولي وظيفة العامل البسيط مهما كانت كفاءته ومستواه العلمي والثقافي.

2 – تولي وكالة: وهم أعضاء مجلس الإدارة في المؤسسات العمومية الإقتصادية  باعتبارهم منتخبين من قبل الجمعية العامة بغض النظر إن كانت الدولة تملك كل رأسمالها الإجتماعي أو جزء منه فقط.

3 – من في حكم الموظف:كل شخص يأخذ حكم الموظف، وهذه الفئة تشمل في مفهوم قانون الوقاية من الفساد ومكافحة كل شخص آخر معرّف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما، وينطبق ذلك على المستخدمين العسكريين والمدنيين في الدفاع الوطني والضباط العموميون

ولتحديد مدى تمتع هذه الفئات بوصف موظف عمومي يجب الرجوع إلى القوانين الخاصة التي تحكمها من أجل إستخلاص مدى توافر خصائص الموظف العمومي فيها، أما بالنسبة للمستخدمين العسكريين والمدنيين في الدفاع الوطني فهم مستثنون من تطبيق أحكام الأمر 06-03 المتضمنالقانون الأساسي للوظيفة العامة بموجب الفقرة الثانية من المادة 03 منه، ويحكمهم الأمر رقم 06-02 المتضمن القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين.

أما بالنسبة للضباط العموميون فيقصد بهم كل من:

- الموثقين،

- المحضرين القضائيين،

- محافظو البيع بالمزايدة،

- المترجمين الرسميين.

وهم يتولون وظائفهم بتفويض من قبل السلطة العمومية، ويُحصّلون الحقوق والرسوم المختلفة لحساب الخزينة العمومية، الأمر الذي يؤهلهم لكي يدرجوا ضمن فئة من في حكم الموظف العمومي.

هذه هي مجمل الفئات التي أضفى عليها قانون الوقاية من الفساد ومكافحته وصف الموظف العمومي، وهي تشمل كل شخص يتمتع بنصيب من الإختصاص في خدمة الدولة أو إحدى المؤسسات أو الهيئات التابعة لها أو يساهم في تسيير مرفق عام يقدم خدمة عمومية.

من خلال ما سبق نجد أن المشرع وسع في مفهوم الموظف في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته مقارنةً بمفهومه في القانون الإداري هذا كله بهدف توسيع دائرة التجريم لتشمل مختلف الفئات التي يمكن أن تتورط في جرائم الصفقات العمومية وجل جرائم الفساد أيضا حتى يضمن مكافحة فعالة لهذا النوع من الجرائم.

هذا وتعد من بين أهم أسباب إنتشار وتفشي ظاهرة الفساد في مجال الصفقات العمومية تحميل المسؤولية لأشخاص غير مؤهلين لذلك، إذ يشترط هذا النوع من المناصب تمتع القائمين به بالمصداقية والنزاهة وهذا ما قضت به المادة 07 من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بنصها على ما يلي"1-تسعى كل دولة طرف، حيثما إقتضى الأمر ووفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، إلإعتماد وترسيخ وتدعيم نظم لتوظيف المستخدمين المدنيين، وغيرهم من الموظفين العموميين غير المنتخبين عند الإقتضاء، و إستخدامهم وإستبقائهم وترقيتهم وإحالتهم على التقاعد تتسم بأنها: "أ" تقوم على مبادئ الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية، مثل الجدارة والإنصاف والأهلية."

وهي ذات الأحكام التي تناولها القانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته  الذي قضى بأنه" تراعى في توظيف مستخدمي القطاع العام وفي تسيير حياتهم المهنية القواعد الآتية:

1-  مبادئ النجاعة والشفافية والمعايير الموضوعية، مثل الجدارة والإنصاف والكفاءة...".

يتضح جليا من خلال ما تضمنته النصوص السابقة أنه يتعين على الجهات المختصة إعتماد المعايير والشروط الموضوعية المنصوص قانونا من أجل تعيين مسؤولين يتمتعون بالنزاهة والكفاءة في المناصب الإدارية العليا، خاصةً إذا علمنا أن هذه الطائفة أكثر عرضة لإرتكاب جرائم الصفقات العمومية وأن عملية إبرام هذه الأخيرة من العمليات الصعبة التي تتطلبالعديد من الإجراءات.

 وعلى هذا الأساس تم فرض جملة من المبادئ كما هو مبين في نص المادة 07 من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي قضت بأنه :" ب-تشتمل على إجراءات مناسبة لإختيار وتدريب أفراد لتولي المناصب العمومية التي تعتبر عرضة للفساد بصفة خاصة وضمان تناوبهم على المناصب عند الاقتضاء،

ج-تشجيع على تقديم أجور كافية ووضع جداول أجور منصفة، مع مراعاة مستوى النمو الإقتصادي للدولة الطرف المعنية،

د-تشجيع على وضع برامج تعليمية وتدريبية لتمكين أولئك الموظفين من الوفاء بمتطلبات الأداء الصحيح والمشرف والسليم للوظائف العمومية، وتوفر لهم التدريب المخصص والمناسب من أجل إذكاء وعيهم بمخاطر الفساد الملازمة لأداء وظائفهم ويجوز أن تشير هذه البرامج إلى مدونات أو معايير سلوكية في المجالات التي تنطبق عليها."

وهي ذات المبادئ التي أكد عليها القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته بنصه على ما يلي:"1- الإجراءات المناسبة لإختيار وتكوين الأفراد المرشحين لتولي المناصب العمومية التي تكون أكثر عرضة للفساد،

2-  أجر ملائم بالإضافة إلى تعويضات كافية،

3-  إعداد برامج تعليمية وتكوينية ملائمة لتكوين الموظفين العموميين من الأداء الصحيح والنزيه والسليم لوظائفهم وإفادتهم من تكوين متخصص يزيد من وعيهم بمخاطر الفساد"

وبالرجوع إلى القانون الأساسي للوظيفة العمومية، نجده عالج شروط التوظيف لكن دون الإشارة إلى المبادئ السابقة والتي جاءت بها إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وأرسى قواعدها القانون رقم06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته.