وثيقة 3

نظرية الفجوة المعرفية

 

إذا كنا قد ميزنا بين مفهومي المعلومة و المعرفة، فإن التمييز بين مفهومي الفجوة الرقمية و الفجوة المعرفية يكون صعب جدا لتداخلهما و لصعوبة التمييز أصلا بين من يملك المعلومة في الواقع و من يملك المعرفة.

أجريت بحوثا و دراسات كثيرة في البلدان الغربية خصوصا عن انتقال المعلومة بين الأفراد أو بين المجتمعات، و تكثفت هذه الدراسات في المنتصف الثاني من القرن الماضي. إنبثقت عليها العديد من النظريات و أشهرها نظرية الفجوة المعرفية للباحث تتشنر P.J. Tichenor و زميليه دونو  G.A. Donohue وأولين  G.N.Olienسنة 1970 عن دراسة بعنوان:"تدفق المعلومات خلال وسائل الإعلام، والاختلافات المعرفية"، حيث استخلصوا من دراستهم أن الفئة من المجتمع الأفضل اجتماعيا و اقتصاديا أكثر قدرة على اكتساب المعلومات من الفئة الأقل امتيازات اجتماعية و اقتصادية. و بالتالي ينبثق عن هذا النتيجة التالية

كلما زاد تدفق المعلومة في مجتمع ما، إتسعت الفجوة المعرفية فيه.

يعني هذا أنه بزيادة اكتساب المجتمع ككل لمعلومات متنوعة، فإن الفئة في المجتمع الأعلى اجتماعيا و اقتصاديا تكون أكثر قدرة على اكتساب المعلومة و من ثم بناء معرفة معينة.

و لكن هذه الفجوة لا تبقى على حالها، فتكون متسعة في البداية و بعد مدة زمنية تصير المعلومة متاحة للجميع فتتقلص الفجوة المعرفية بين أفراد المجتمع و بين فئاته مع مرور الوقت. و هكذا.. و هو ما يعرف بمبدأ الحد الأقصى للتأثير. فكلما تشربت الفئة الأعلى اقتصاديا و اجتماعيا المعلومات المتاحة في موضوع ما، تصل إلى مرحلة من التشبع ثم استقرار لتلتحق بها الفئة الأدنى بعد فترة زمنية – و هذا بالنسبة لموضوع أو حدث معين، بينما قد تبقى الفئة الأدنى متأخرة عن الأخرى في موضوعات أو أحداث أخرى.

و استمرت الدراسات في أمريكا و في أوروبا و في الشرق الأوسط و التي أكدت ما توصل إليه تتشنر و زميليه، و لكن تدعمت بافتراضات و استنتاجات أخرى عديدة من بينها ما توصلت إليه دراسة لـ E.M. Rogers سنة 1976 بأن الفجوة المعرفية لا تتسع فقط من خلال الفروق الاجتماعية المذكورة سالفا، و إنما توجد فجوات السلوكيات و الاتجاهات. فهناك فروق بين الأفراد من ناحية مهارات الاتصال، فمن يمتلك اتصال جيد مع زملائه في العمل مثلا أو في الدراسة تكون لديه قابلية و سرعة لامتلاك المعلومة و من ثم المعرفة.

و حاول العديد من الباحثين تطوير هذه النظرية حيث أدخل عليها Ettema و Kline سنة 1977 في دراسة لهما عامل آخر و هو الإهتمام، فالفجوة المعرفية بين الأفراد حسبهما تنشأ بسبب مقدار الفرق في الاهتمام بموضوع أو حدث ما و ليس بسبب عامل التعليم (تجدر الملاحظة هنا إلى أن الفارق في المستوى المعيشي و الاجتماعي المذكور في بداية النظرية يقصد به في الوقت نفسه الفرق في التعليم، بمعنى أن الفئة الأعلى يتيسر لها التعليم على عكس الفئة الأخرى.). أي أن الفجوة المعرفية هنا في الدراسة الأخيرة لا تتعلق بالمستوى أو عامل الزمن، و إنما تضيق بتشابه الاهتمام بين الأفراد بموضوع أو حدث ما.

في دراسات أخرى تدعمت هذه النظرية بعامل آخر و هو التخصص. و هو لا يبتعد كثيرا عن عامل الاهتمام.

و نستطيع تلخيص هذه النظرية كما يلي:

تتسع الفجوة المعرفية بين الأفراد فيما يتعلق بموضوع أو حدث ما باختلافاتهم من حيث المستوى الاقتصادي و الاجتماعي، المستوى التعليمي، التحصص و مدى الإهتمام بالموضوع.

·        ما سبق يتعلق بصفة خاصة بالفجوة المعرفية بين الأفراد أو بين فئات في المجتمع الواحد. بينما هناك دراسات و كتابات و مؤتمرات أقيمت لتحليل الفجوة أو الفجوات الرقمية و المعرفية بين المجتمعات، و أكثرها تطرقا الفجوة المعرفية بين الشمال و الجنوب، أي بين المجتمعات الغنية و الأخرى الفقيرة.

·        هذه الدراسات أقيمت في نهايات القرن الماضي و بعبارة أخرى قد ركزت على وسائل الإعلام التقليدية كالتلفزيون و الإذاعة و الصحف المكتوبة. و هذا لا يعني أن الفجوة المعرفية بين الأفراد أو بين الفئات أو بين المجتمعات قد تقلصت بتطور وسائل الاتصال كما نعرفها الآن، بل يختلف تحليلها و تصنيفها. و الدليل على ذلك هو ما ذكر في البداية و هو المبدأ الأساس للنظرية و هو

       كلما زاد التدفق للمعلومات زادت الفجوة  المعرفية.