البحث الرابع: إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في احتواء الصين و روسيا

فصلت الاستراتيجيتان (استراتيجية الأمن القومي لعام 2017 واستراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018) التهديدات التي تمثلها الصين وروسيا لأمن وازدهار الولايات المتحدة، والنظام الدولي الراهن، حيث أشارتا إلى أن موسكو تستغل حق النقض في مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة من أجل فرض هيمنتها على الدول المجاورة في قراراتها الحكومية، والاقتصادية، والدبلوماسية؛ وكذلك تدمير حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو)؛ وتغيير الهياكل الأمنية والاقتصادية في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط لصالحها. فضلا عن أنها تستخدم التكنولوجيات الناشئة كجزء من استراتيجيتها السيبرانية؛ للتأثير على الرأي العام حول العالم، وتشويه وتقويض الديمقراطية الغربية، ما يُشكل مصدر قلق للولايات المتحدة.
و تشكل المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا تحديًّا قويًّا للمنظمات الدولية، حيث أصبحت معرضة للاستغلال من قبل القوتين، لكون التنافس بينهم ليس فقط على السيطرة على الموارد، والوصول إلى الأسواق، والهيمنة تكنولوجيًّا، بل أخذ منحى السيطرة على القواعد التي تحكم عمل المؤسسات الدولية الاقتصادية. ففي مقابل المؤسسات المالية التي أسستها الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي أسست بكين في عام ٢٠١٥ بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية كمؤسسة مالية دولية متعددة الأطراف. وقد رفضت واشنطن الانضمام لها، وأجبرت حلفاءها على القيام بذلك أيضًا.
إن الاحتواء الأمريكي المزدوج خلال إدارة الرئيس “دونالد ترامب” للقوتين الروسية والصينية يدفعهما لتعزيز تحالفهما الاستراتيجي لمواجهة القوة الأمريكية، بينما كانت الإدارة الأمريكية السابقة الجمهورية والديمقراطية تتجنب دفعهما للتقارب. ومع تشكل هذا التحالف لا تتحرك الولايات المتحدة وحلفاؤها بسرعة كافية لمواجهة الجهود التي تبذلها موسكو وبكين لإثارة عدم الاستقرار بتكتيكات “المنطقة الرمادية” التي لا ترقى إلى مستوى التدخل العسكري، والتي تتمثل في: استخدام الوكلاء عسكريًّا، والإكراه السياسي والاقتصادي، والتضليل المعلوماتي، والعمليات السيبرانية، وتقنيات التشويش ضد الأقمار الصناعية الأمريكية، والتي سيكون لها ثمة تأثيرات سلبية وجوهرية على مستقبل القوة والقيادة الأمريكية للنظام الدولي الراهن. ولذا فإن واشنطن في حاجة ماسة لاستعادة شراكاتها وتحالفاتها الدولية، وإبراز رؤية أكثر ثقة لنموذجها السياسي والاقتصادي.