وقد تم حل اللجنة الثورية في 20 جويلية 1954م لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل الإعداد العسكري بهدف الإسراع في تفجير الثورة الجزائرية، ولتفويت الفرصة على كل الأطراف المتصارعة داخل حركة الانتصار من جهة، وعلى العدو الفرنسي من جهة أخرى الذي كان يراقب هذا الانقسام عن كثب، ويراه مناسبا لخدمة مصلحته بالجزائر، فكان لا بد  من اتخاذ خطوة جديدة وجريئة تجلت في الاجتماع التاريخي الذي سمي باجتماع الاثنين والعشرين.(*)

وفي يوم 25 جويلية 1954م تم تدارس مجموعة من الجوانب المتعلقة بالمنظمة الخاصة، وأزمة حركة الانتصار ومن يقف وراءها، واستعراض وجهة نظر أعضاء اللجنة الثورية من هذه الأزمة، وقد قدمت تقارير عن أوضاع المناطق فأكد بن بولعيد أن التحضيرات متقدمة بالأوراس، وفي الاجتماع الموالي الذي تمخضت عنه لجنة الستة(* تقرر جمع الأعضاء السابقين للمنظمة الخاصة وهيكلتهم في التنظيم الثوري الجديد، واستئناف التكوين العسكري اعتمادا على كراسات تحتوي على دروس عسكرية للمنظمة الخاصة، وتنظيم الفرق الأولى التي تتولى جمع السلاح وصنع المتفجرات للشروع في العمل المسلح هو تفجير الثورة الجزائرية.([1])

انعقد اجتماع لأعضاء لجنة الستة في 10 أكتوبر 1954م بمنزل بوقشورة تم فيه تقسيم القطر الجزائري إلى مناطق عسكرية وكان عددها خمس، المنطقة الأولى أوراس النمامشة والثانية الشمال القسنطيني والثالثة القبائل والرابعة الجزائر والخامسة وهران، كما قسمت كل منطقة إلى نواحي عسكرية والاتفاق على أن تكون الثورة  شاملة لتفويت الفرصة على فرنسا لاحتواء الثورة.

        وعقدت اللجنة الثورية اجتماعاً آخرًا بالرايس حميدو في 23 أكتوبر 1954م(*)، تقرر فيه تحديد تاريخ اندلاع الثورة، إطارها السياسي جبهة التحرير الوطني والعسكري جيش التحرير الوطني([2])، والذي سيضم جميع الطاقات الراغبة في تحرير البلاد آخذاً بذلك بعدًا وطنياً ومتجنباً تلك الحسابات الحزبية الضيقة التي قد تؤثر على العمل المسلح، وبهذا كان جيش التحرير الوطني الإطار العسكري للثورة والذي أوكلت له مهمة تقويض أركان الاستعمار الفرنسي، وإثارة الضمير الوطني للشعب والحصول على انضمامه ومشاركته الفعالة في الثورة التحريرية وكان هذا الجيش الناشئ رمزًا لآمال الشعب المضطهد.([3])

وكان مركز القيادة يتألف من قائد عسكري يمثل السلطة العسكرية والسياسية في المنطقة وله نواب ومساعدين، وكان توزيع القادة على المناطق كالآتي:

- المنطقة الأولى (أوراس النمامشة)

عين على رأسها مصطفى بن بولعيد ونواهبه شيحاني بشير والطاهر نويشي وعباس لغرور، ويؤكد المجاهدون الأوائل أن الشهيد مصطفى بن بولعيد وضع النواة الأولى لجيش التحرير(*)، وقسم جيشه إلى تسعة وثلاثين فوجا شاركوا كلهم في ليلة أول نوفمبر 1954م الموافق لـ 06 ربيع الأول 1374م، نجح ثلاثة وثلاثون فوجاً في أداء مهامهم، وتميزت هذه المنطقة بنشاطها العسكري المكثف وتعرف أيضًا بالجنوب القسنطيني، تؤكد المصادر أن منطلق الثورة ومصدرها أوراس النمامشة الأمر الذي جعل فرنسا تخصص عمليات حربية ضدها للقضاء عليها. وكان جيش المنطقة الأولى يضم بين ألف وألف وخمسمائة (1000 و1500) رجل يملكون من السلاح ست بنادق ورشاش، وهذا الجيش مسلح بنسبة 75% سلاح حربي و25% سلاح صيد، وهناك ألف ومائة (1100) رجل جاهزين لحمل السلاح وثلاثة آلاف (3000) احتياطي جاهزين للالتحاق بجيش التحرير مسلحين بالمذاري والعصي، وقد كانت هذه المنطقة قوة ضاربة سواء بقيادة مصطفى بن بولعيد أو شيحاني بشير.([4])

ونشير إلى أن مصطفى بن بولعيد قام بتقسيم منطقة الأوراس إلى خمسة أقاليم وعين على رأس كل إقليم قائدًا، فكانت ناحية آريس بقيادة مدور عزوي وناحية عين القصر بقيادة الطاهر نويشي وناحية خنشلة بقيادة عباس لغرور وناحية عين مليلة بقيادة حجاج بشير وناحية بريكة بقيادة بن بالة محمد الشريف([5])، وقبل اندلاع الثورة عقد اجتماعًا مع هؤلاء القادة في مزرعة بعزي لخضر يوم 31 أكتوبر 1954م، ووزع عليهم الأسلحة والألبسة وقال لهم: «منذ الآن أنتم تمثلون جنود جيش التحرير».([6])

- المنطقة الثانية (الشمال القسنطيني)

قادها ديدوش مراد بمساعدة زيروت يوسف والأخضر بن طوبال وعرفت في الوثائق الفرنسية بالشمال القسنطيني أو كوندو أو السمندو، كانت تضم- وفقاً للإحصاءات الفرنسية- بين تسعمائة إلى ألف ومائتي (900 و1200) مجاهدًا إلى غاية 1955م، أسلحتهم تتكون من أربع أسلحة رشاشة، ومسلحة بنسبة ثلاثين بالمائة (30%) سلاح حربي، وسبعين بالمائة (70%) سلاح صيد، ويتبع المجاهدين ألف (1000) رجل جاهزًا لحمل السلاح وكان لها ألف ومائتي (1200) رجل احتياطي، ومربعها النشيط القل والقرارم وعزابة وسكيكدة، ثم توسعت إلى مناطق أخرى، وقد قام ديدوش مراد بتقسيم منطقته إلى أربعة نواحي وهي ناحية سوق أهراس بقيادة باجي مختار وناحية عنابة وضواحيها بقيادة مصطفى بن عودة والناحية الوسطى بقيادة زيروت يوسف والناحية الغربية قادها الأخضر بن طوبال.

- المنطقتان الثالثة والرابعة

عرفت في الوثائق الفرنسية باسم منطقة الجزائر، لكننا لا نوافق الرأي الفرنسي، بنيت المنطقة الثالثة على خصائص جغرافية، وهوية عرقية تميزها الذاتية والفردية والطابع الخاص القبائلي، تكونت من المهاجرين العائدين من فرنسا وتمركز معظم رجال الثورة في تيزي وزو، وقد عمت الثورة وادي الصومام، ووادي الساحل وطريق البويرة والأخضرية وبومرداس وكان على رأس هذه المنطقة كريم بلقاسم ونوابه عمر أوعمران وزعموم، ومحمدي السعيد وتشمل القبائل العليا والسفلى والقبائل الصغرى وهي مقسمة إلى ثلاث مناطق صغيرة تنقسم بدورها إلى عشر نواحي والناحية إلى ثلاثون قسمة، وكانت تضم حتى أكتوبر 1955م خمسمائة رجل مسلح بنسبة ثلاثين بالمائة (30%) سلاح حربي، وسبعين بالمائة (70%) سلاح صيد، ولها خمسمائة (500) رجل جاهزًا لحمل السلاح.([7])

أما بالنسبة للمنطقة الرابعة الجزائر العاصمة عين على رأسها رابح بيطاط ونوابه سويداني بوجمعة والزبير بوعجاج وبوشعايب أحمد وكانت مقسمة إلى خمسة أقسام وبها خمسون (50) مجاهدًا حسب تقرير أول نوفمبر الذي أشار إليه عمر أوعمران في مؤتمر الصومام 1956م. ([8])

- المنطقة الخامسة

تسمى في الوثائق الفرنسية بمنطقة وهران كان ينشط بها الثوار الجزائريين القادمين من الريف المغربي، وقد تزامن نشاطهم وظهور جيشهم مع ظهور فكرة علال الفاسي الرامية إلى توحيد جيش التحرير المراكشي والجزائري، وكان قائدا المنطقة العربي بن مهيدي المدعو (البسكري) بمساعدة بن عبد المالك رمضان وعبد الحفيظ بوالصوف وكانت تضم 05 أقسام عسكرية، أما جيش المنطقة فهو مقسم إلى قسمين الأول متمركز غرب تلمسان والثاني بجبال الطراوة وكان تعداد الجيش يبلغ حوالي ثلاثمائة (300) رجل إلى جانب مائتين (200) آخرين جاهزين لحمل السلاح وكانت له ثلاثمائة (300) بندقية حربية، ومائة وخمسين (150) بندقية مخزنة.([9])

كما اعتمد مبدآن للتنظيم العسكري مبدأ اللامركزية، وذلك نظرًا لاتساع القطر الجزائري إذ كان من غير الممكن أن تسير العلميات العسكرية لجيش التحرير الوطني وفق مبدأ المركزية، لذلك أعطيت كل الصلاحيات لقادة المناطق للتصرف والعمل حسب ظروف المنطقة هذا بالنسبة للمبدأ الأول، أما المبدأ الثاني فهو إعطاء الأولوية في العمل للداخل إذ لا يمكن القيام بأي عمل دون العودة إلى المقاتلين في الداخل، كما تم تسطير مخطط العمل العسكري وفق ثلاث مراحل([10]):


- المرحلة الأولى

العمل على وضع أسس الجهاز العسكري والسياسي لتفجير الثورة وضمان استمراريتها وشموليتها، وذلك عن طريق العمليات العسكرية، وتجنب المواجهة المباشرة مع العدو، ومهاجمة عملاء السلطة العسكرية.

- المرحلة الثانية

تعميم العمل العسكري وخلق جو من عدم الاستقرار، وإيجاد كفاح شعبي يتزعمه جيش التحرير، وتكوين سلطة مضادة للاستعمار أساسها الشعب الجزائري الذي من مهامه الاستعلامات والتموين.

- المرحلة الثالثة

تكوين مناطق محررة من الصعب الوصول إليها من طرف العدو وإيجاد تناسق بين العمل السياسي والعسكري وتقاسم الأدوار المختلفة.

        أما على الصعيد الخارجي فقد توجب على وفد الخارج المشكل من أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد ومحمد خيضر الحصول على دعم عربي، وتكوين شبكات التموين بالسلاح لتزويد جيش التحرير بالأسلحة والذخيرة لمواصلة الثورة التحريرية.([11])


 

 




*- ضم الاجتماع الذي ترأسه مصطفى بن بولعيد في بيت المناضل إلياس إدريس: 1- مراد ديدوش.
2- باجـي مختـار. 3- مصطفى بن بولعيد. 4- محمد العربي بن مهيدي. 5- زيروت يوسف. 6- محمد بلوزداد. 7- سويداني بوجمعة. 8- الزبيـر بوعجاج. 9- بن عبد المالك رمضان. 10- بوالصوف عبد الحفيظ. 11- الأخضر بن طوبال .12- محمد بوضياف
13- رابح بيطاط. 14- مشاطي محمد. 15- مصطفى بن عودة. 16- أحمد بوشعايب. 17- مرزوق محمد. 18- حبشي ع السلام. 19- بوعلي السعيد. 20- ملاح رشيد. 21- العمودي عبد القادر. 22- عبد القادر خليفي.

*- تتكون لجنة الستة من: مصطفى بن بولعيد، مراد ديدوش، العربي بن مهيدي، محمد بوضياف، رابح بيطاط والتحق بهم فيما بعد كريم بلقاسم.

[1]- محمد العربي الزبيري: الثورة الجزائرية في عامها الأول، ط1، دار البعث للطباعة والنشر، الجزائر، 1984م، ص ص 81- 132.

*- أليس من توافق النوايا وصدق الأقدار أن يكون في هذا التاريخ هو الذي نظم فيه القائد شريط لزهر هجومًا على فرقة الدرك الاستعمارية بضواحي قنتيس (تبسة) مما استدعى اجتماعًا طارئًا للجنرال سبيلمان قائد القوات الاستعمارية في الشرق الجزائري مع كبار ضباطه في مدينة تبسة لدراسة الوضع يوم 24 أكتوبر 1954م.

[2]- ازغيدي محمد لحسن: مرجع سابق، ص 61.

[3]- كمال عبد الرحيم: «تأملات حول التنظيم والتطور البنيوي لجيش التحرير الوطني وأشكال القتال المنوطة به»، مجلة الجيش، العدد 200، الإدارة المركزية للمحافظة السياسية للجيش الوطني، الجزائر، 1980م،
ص ص 21- 22.

*- يشير المجاهد الحاج الأخضر إلى أن الاستعداد للثورة في أوراس النمامشة كانت مع بداية ربيع 1954م، وكان مصطفى بن بولعيد يقوم باتصالات مع أعضاء المنظمة الثورية في أنحاء الوطن بمساعدة شيحاني بشير، وأصبح الشعب في الأوراس متقبلا لفكرة الثورة رغم عدم التصريح بأن القادة سيقومون بتفجير الثورة، وفي شهر = جويلية عقد اجتماع تقرر فيه توزيع الخلايا العسكرية عبر جهات معينة من الأوراس ولما كان أول نوفمبر كان الكل على أتم الاستعداد لتنفيذ الأوامر وبذلك انطلقت من الأوراس الخلايا الثورية الأولى التي شكلت النواة الأولى لجيش التحرير.

[4]- يوسف مناصرية: «واقع الثورة العسكري في خلال السنة الأولى 1954- 1955م»، مصطفى بن بولعيد والثورة الجزائرية، إنتاج جمعية أول نوفمبر لتخليد مآثر الثورة في الأوراس، باتنة، 1420هـ- 1999م،
ص ص 34- 35.

 [5]- بوالطمين جودي الأخضر: لمحات من ثورة الجزائر، ط2، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1987م، ص ص 20- 22.

[6]- Abbas Ferhat: Autopsie d’une guerre, France, 1981, P 92.

[7]- يوسف مناصرية: «واقع الثورة العسكري في خلال السنة الأولى 1954- 1955م»، المرجع السابق، ص ص 35- 37.

[8]- يوسف مناصرية: المرجع السابق، ص ص 38- 41.

[9]- المرجع نفسه، ص ص 35- 41.

[10]- محمد حربي: مرجع سابق، ص 111.

[11]- محمد حربي: المرجع السابق، ص 111.